من تبادل الأسرى إلى قوة دولية.. كواليس خطة إنهاء الحرب في غزة

من تبادل الأسرى إلى قوة دولية.. كواليس خطة إنهاء الحرب في غزة

من تبادل الأسرى إلى قوة دولية.. كواليس خطة إنهاء الحرب في غزة
ترامب

في لحظة فارقة من الصراع الممتد على أرض غزة، يطل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخطة مكونة من 21 بندًا، يصفها مقربوه بأنها "خريطة طريق لإنهاء الحرب" وتأسيس أرضية سياسية لدولة فلسطينية مستقبلية.

 الخطة، ليست مجرد مبادرة تقليدية لوقف إطلاق النار، بل مشروع متعدد الأبعاد يدمج بين السياسة والأمن والاقتصاد، ويضع الولايات المتحدة في صدارة المشهد الإقليمي من جديد، ومع أن بعض عناصر الخطة تبدو جذابة، مثل إعادة الإعمار وتدفق المساعدات وتشكيل حكومة انتقالية، إلا أنها في الوقت نفسه تحمل شروطًا صعبة، أبرزها نزع سلاح حركة حماس واستبعادها من المشهد السياسي، وهو ما يفتح الباب أمام جدل واسع بشأن فرص نجاحها على أرض الواقع، بين الطموح الأميركي والممانعة الإسرائيلية والتردد الفلسطيني، تبقى الخطة محل اختبار عسير قد يعيد صياغة مستقبل القطاع وربما القضية الفلسطينية بأكملها.

التحول في الموقف الأميركي


مع اقتراب الحرب في غزة من عامها الثاني، تزداد الضغوط الدولية لإيجاد تسوية توقف نزيف الدم وتفتح بابًا لإعادة الإعمار. وفي هذا السياق، جاءت خطة ترامب ذات الـ21 بندًا كإطار شامل يسعى إلى معالجة الأبعاد الأمنية والسياسية والإنسانية للصراع في آن واحد.

الخطة الجديدة تمثل انعطافة واضحة في خطاب الإدارة الأميركية، ففي فبراير الماضي، أثار ترامب عاصفة من الانتقادات حين لمح إلى فكرة "إعادة توطين سكان غزة" خارج القطاع.

غير أن الخطة الحالية، بحسب ما كشفت عنه تايمز أوف إسرائيل، تشجع الفلسطينيين على البقاء في أرضهم مع توفير بيئة جديدة لإعادة البناء، وهو تحول يعكس إدراكًا بأن أي مشروع يتجاهل الهوية الوطنية للفلسطينيين محكوم عليه بالفشل.

ما هي النقاط الـ21 في الخطة؟


1- جعل غزة منطقة خالية من "التطرف والإرهاب".
2- إعادة إعمار غزة.
3- بعد موافقة الطرفين على الخطة، تنتهي الحرب فورا، وتتوقف العمليات الإسرائيلية وتبدأ الانسحاب التدريجي من غزة.
4- خلال 48 ساعة من قبول إسرائيل العلني للاتفاق، يعاد جميع الرهائن الأحياء وجثامين القتلى.
5- بعد إعادة الرهائن، تطلق إسرائيل سراح مئات من السجناء الفلسطينيين المحكومين بالسجن مدى الحياة، وأكثر من 1000 معتقل من غزة منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى تسليم جثامين مئات الفلسطينيين.
6- عفو مشروط لعناصر حماس والتسهيل لمن يرغب في المغادرة.
7- تدفق المساعدات إلى غزة، بما لا يقل عن المعدلات المنصوص عليها في اتفاق تبادل الرهائن في يناير 2025 (600 شاحنة يوميًا)، مع إعادة تأهيل البنية التحتية ودخول معدات إزالة الأنقاض.
8- توزع المساعدات من قبل الأمم المتحدة والهلال الأحمر ومنظمات دولية محايدة، دون تدخل من أي طرف.
9- إدارة غزة من قبل حكومة انتقالية مؤقتة مكونة من تكنوقراط فلسطينيين، بإشراف هيئة دولية جديدة تقودها واشنطن بالتعاون مع شركاء عرب وأوروبيين، حتى تستكمل إصلاحات السلطة الفلسطينية.
10- صياغة خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة.
11- إنشاء منطقة اقتصادية بضرائب ورسوم مخفضة.
12- عدم التهجير القسري للفلسطينيين.
13- منع حماس من الحكم ونزع سلاحها.
14- تقديم ضمانات أمنية من دول إقليمية لضمان التزام جميع الأطراف.
15- تشكيل قوة استقرار دولية مؤقتة بقيادة أميركية وعربية، للإشراف على الأمن وتدريب شرطة فلسطينية محلية.
16- انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي.
17- إمكانية تنفيذ جزئي للخطة في حال رفض حماس.
18- تلتزم إسرائيل بعدم شن ضربات في قطر.
19- إطلاق برامج لتفكيك الفكر المتطرف.
20- فتح مسار نحو دولة فلسطينية مستقبلية.
21- إطلاق حوار سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين.

البنود الأكثر حساسية


في صلب الخطة، تبرز نقاط شديدة الحساسية، أبرزها نزع سلاح حماس، شرط يرى مراقبون أنه قد يكون عقبة كبرى، إذ يعني استبعاد الحركة من الحكم ومن المعادلة السياسية، وهو ما لن تقبله بسهولة.

تشكيل حكومة انتقالية، تتألف من تكنوقراط فلسطينيين بإشراف هيئة دولية تقودها واشنطن بالتعاون مع شركاء عرب وأوروبيين.

 الهدف هو إدارة شؤون غزة حتى استكمال إصلاحات السلطة الفلسطينية، وهو بند قد يُفسَّر على أنه إعادة وصاية دولية مقنّعة.

تبادل الأسرى والرهائن، يشمل إطلاق سراح مئات من المحكومين الفلسطينيين مقابل إعادة الرهائن الإسرائيليين، وهو عنصر قد يلقى قبولًا نسبيًا لدى الطرفين.

الرؤية الاقتصادية


واحدة من النقاط التي تحاول الخطة إبرازها هي الجانب الاقتصادي، إذ تتحدث البنود عن "منطقة اقتصادية خاصة" في غزة بضرائب ورسوم منخفضة، وإعادة إعمار شاملة تشمل البنية التحتية، إضافة إلى برامج للتنمية وتفكيك الفكر المتطرف. هذه اللغة الاقتصادية تهدف إلى تقديم رؤية مختلفة، تسعى لإقناع المانحين والدول العربية بأن غزة الجديدة يمكن أن تتحول من عبء إلى فرصة.

لكن الطريق إلى التطبيق محفوف بالعقبات، على الجانب الإسرائيلي، من المتوقع أن يثير أي حديث عن دولة فلسطينية مستقبلية معارضة شرسة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يرفض تقديم أي تنازل يُفسر كتمهيد لقيام دولة. وفي المقابل، يواجه الفلسطينيون معضلة أخرى: قبول خطة تستبعد حركة بحجم حماس وتضع مستقبل غزة تحت إشراف دولي.

الدور الدولي والإقليمي
الخطة تمنح الولايات المتحدة موقع القيادة عبر تشكيل قوة استقرار دولية مؤقتة، تضم عناصر أميركية وعربية، للإشراف على الأمن وتدريب شرطة فلسطينية محلية. 

وهنا، يبدو الرهان على دول مثل مصر والأردن والسعودية لتوفير غطاء عربي، في حين يظل الموقف الأوروبي مرهونًا بمدى واقعية الخطة.

التحليل الواقعي يظهر أن فرص تطبيق الخطة تبقى محدودة ما لم يتم التوصل إلى توافق فلسطيني داخلي، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل الانقسام بين السلطة وحماس. 

كما أن غياب ضمانات فعلية لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية يثير الشكوك حول جدية الالتزام من جانب تل أبيب.

تنازلات حقيقية


من جانبه، يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية: إن الخطة تمثل تطورًا مهمًا في الموقف الأميركي، إذ تعكس رغبة واضحة في الانتقال من إدارة الأزمة إلى محاولة حلها، غير أن نجاحها مرهون بعدة عوامل معقدة؛ أولها قدرة الأطراف الفلسطينية على توحيد موقفها الداخلي، خصوصًا أن استبعاد حماس من المعادلة قد يؤدي إلى تعميق الانقسام بدل معالجته.

وتابع فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر": أن الأمر الثاني يتوقف على استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات حقيقية، بما في ذلك القبول بدولة فلسطينية مستقبلية، وهو أمر يصطدم حاليًا بمواقف اليمين الإسرائيلي المتشددة.

كما يشير فهمي، أن البعد الإقليمي سيكون حاسمًا، إذ تحتاج واشنطن إلى دعم القاهرة والرياض وعمان لتأمين غطاء عربي لهذه الخطة، وإلا ستفقد شرعيتها في الشارع الفلسطيني.

أما البعد الدولي، فيتطلب مشاركة فعلية من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لضمان تنفيذ البنود على الأرض، لا سيما تلك المتعلقة بإعادة الإعمار والمساعدات. 

الخطة فرصة نادرة لكنها محفوفة بالمخاطر، وإذا لم تُدار بحذر فقد تتحول إلى مصدر توتر جديد بدل أن تكون بوابة سلام.