حماس تدرس العرض الإسرائيلي.. 45 يومًا من التهدئة أم مناورة جديدة؟
حماس تدرس العرض الإسرائيلي.. 45 يومًا من التهدئة أم مناورة جديدة؟

بينما تتصاعد ألسنة اللهب في سماء غزة من جديد، تشهد كواليس السياسة حركة دبلوماسية لا تقل سخونة، تقودها مصر وقطر في محاولة لإعادة فتح نافذة للتهدئة.
المقترح الإسرائيلي الأخير، الذي وصل إلى حركة حماس قبل أيام عبر القاهرة، يضع على الطاولة عرضًا بوقف إطلاق نار مؤقت مقابل صفقة تبادل أسرى واسعة، وسط ضغوط ميدانية متواصلة، ومعاناة إنسانية متفاقمة داخل القطاع.
ورغم أن حماس أعلنت أنها سترد خلال 48 ساعة، إلا أن لهجة بياناتها توحي بتردد واضح، خاصة مع غياب الضمانات وبقاء مطلبها الأساسي – وقف الحرب نهائيًا – دون تلبية، وفي ظل حصار خانق مستمر منذ مطلع مارس، وتوغل عسكري يتسع تدريجيًا في القطاع، يعود السؤال إلى الواجهة: هل يمثل هذا العرض بداية لتسوية جزئية، أم هو تكتيك إسرائيلي لاستنزاف الوقت وتحقيق مكاسب ميدانية؟
*العرض الإسرائيلي*
في مشهد مكرر يعكس تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في غزة، تتقاطع العمليات العسكرية الإسرائيلية مع الجهود الدبلوماسية التي لم تهدأ منذ انهيار الهدنة الأخيرة في مارس.
العرض الإسرائيلي الذي تلقته حركة حماس مؤخرًا لا يختلف كثيرًا عن العروض السابقة في الشكل، لكنه يحمل هذه المرة دلالات أعمق في التوقيت والمضمون.
وفقًا لما أكدته مصادر دبلوماسية مصرية، يتضمن المقترح الإسرائيلي وقفًا لإطلاق النار لمدة 45 يومًا، مقابل الإفراج عن عشرة أسرى إسرائيليين على قيد الحياة تحتجزهم حماس منذ عملية السابع من أكتوبر.
في المقابل، ستقوم إسرائيل بإطلاق سراح نحو 1231 فلسطينيًا من سجونها، بعضهم من أصحاب المحكوميات العالية أو المحتجزين إداريًا.
*إنهاء الحرب*
ورغم أن هذا الطرح قد يبدو متوازنًا للوهلة الأولى، إلا أن بيان حماس الذي صدر فجر الأربعاء حمل لهجة متشككة، حيث انتقد غياب "الضمانات الجدية" لتنفيذ الاتفاق، ورفض أي مقترح لا يتضمن وقفًا نهائيًا للعدوان.
هذا التصريح يعكس إصرار الحركة على ربط أي صفقة تهدئة بمطلبها الاستراتيجي: إنهاء الحرب بشكل دائم.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، أن إسرائيل أرفقت بالعرض شروطًا غير معلنة رسميًا، من أبرزها نزع سلاح حماس وخروج بعض قادتها من القطاع، وهي شروط تعتبرها الحركة خطوطًا حمراء تمس جوهر مشروعها السياسي والعسكري.
*نوايا إسرائيلية*
من ناحية أخرى، لم تُخفِ إسرائيل نواياها العسكرية، إذ صرح وزير الدفاع يسرائيل كاتس، بأن الجيش الإسرائيلي يستعد "لتوسيع نطاق عملياته ليشمل كافة مناطق قطاع غزة"، في مؤشر على تصعيد مرتقب إذا ما فشلت المحادثات.
وقد انعكس ذلك فعليًا على الأرض، من خلال عمليات التوغل التي قامت بها القوات الإسرائيلية في مناطق مختلفة من جنوب ووسط القطاع، بدعوى تفكيك البنية التحتية للمقاومة.
كما أن الحصار المحكم المفروض منذ 2 مارس أدى إلى منع دخول المساعدات الإنسانية، ما دفع الأمم المتحدة للتحذير من "كارثة إنسانية وشيكة". وتبدو إسرائيل مصممة على استخدام البعد الإنساني كوسيلة ضغط إضافية، خاصة في ظل أزمة الغذاء والدواء التي تضرب المخيمات في القطاع.
*الموقف المصري*
أما عن الموقف المصري، فيسعى الوسيط الرئيسي إلى تحقيق هدنة سريعة تفاديًا لتفاقم الأوضاع.
وتشير مصادر دبلوماسية، أن القاهرة أبدت تحفظًا على بعض بنود المقترح الإسرائيلي، خاصة تلك المتعلقة بخروج قادة المقاومة، واعتبرتها "غير قابلة للتنفيذ في هذه المرحلة".
يُذكر أن آخر اتفاق تهدئة تم في يناير 2025، أفضى إلى إطلاق سراح 33 أسيرًا إسرائيليًا، من بينهم 8 جثث، مقابل 1800 معتقل فلسطيني، لكن الاتفاق انهار لاحقًا بعد استئناف العمليات الإسرائيلية في رفح ووسط القطاع.
وتقدر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أن حماس ما تزال تحتفظ بـ58 إسرائيليًا، تعتقد أن 34 منهم قد قُتلوا، وهو ما يضفي تعقيدًا إضافيًا على أي صفقة تبادل، ويجعل الجانب الإسرائيلي أكثر حرصًا على تسوية جزئية لا تُنهي الحرب بل تشتري الوقت.
من جانبه، يرى الدكتور محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن المقترح الإسرائيلي الأخير لا يمكن اعتباره خطوة نحو تسوية حقيقية بقدر ما يُعد امتدادًا لاستراتيجية "عض الأصابع"، التي تعتمدها تل أبيب في سياق ضغط عسكري متصاعد وتهديدات ميدانية موازية للمفاوضات.
ويشير المنجي - في تصريحاته لـ"العرب مباشر"-، أن الجانب الإسرائيلي يحاول فرض وقائع سياسية عبر الميدان، بحيث تتحول الهدنة المؤقتة إلى أداة مساومة لا تضمن إنهاء العدوان بقدر ما تُبقي على أدوات الهيمنة قائمة.
ويضيف أن الموقف الفلسطيني، وتحديدًا من قبل حركة حماس، بات أكثر وضوحًا تجاه أي مقترحات لا تتضمن وقفًا شاملًا ودائمًا للعمليات العسكرية، وضمانات ملموسة تضع حدًا للحصار وتؤسس لتفاهمات سياسية دائمة، وليس مجرد تبادل مؤقت للأسرى.
ويرى المنجي أن الأيام المقبلة قد تشهد تطورًا مفاجئًا على الساحة، سواء باتجاه انفراجة تفاوضية مدفوعة بضغط إقليمي ودولي، أو في المقابل، انزلاقًا نحو جولة جديدة من التصعيد والفشل، تعيد إنتاج المأساة الإنسانية في القطاع، وتُجهض فرص التهدئة مجددًا.