الصدر يشهر سلاح المقاطعة ويطالب بتفكيك دولة الميليشيات
الصدر يشهر سلاح المقاطعة ويطالب بتفكيك دولة الميليشيات

في بلد أنهكته دورات العنف والفساد، اختار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أن يُجدّد ابتعاده عن الحلبة السياسية عبر تأكيد مقاطعته للانتخابات البرلمانية المقبلة، مقرنًا موقفه بنداء صريح لحلّ الميليشيات وتسليم السلاح للدولة، الرسالة التي نشرها على منصة "إكس" لم تكن فقط إعلان انسحاب، بل أشبه بإدانة لما آلت إليه العملية السياسية في العراق، وتأكيد على فقدان الثقة بقدرتها على التغيير دون تفكيك النفوذ المسلح الذي يُقيد مؤسسات الدولة، في توقيت بالغ الحساسية، وعلى بُعد أشهر من اقتراع مفصلي، جاءت مواقف الصدر لتفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية، هل يمكن لانتخابات تُجرى في ظل سطوة السلاح وغياب أبرز تيار شعبي أن تُفرز برلمانًا يعيد التوازن، وهل الصدر في حالة عزوف حقيقي، أم يلوّح بورقة المقاطعة كورقة ضغط استراتيجي في لعبة سياسية لم تنتهِ فصولها بعد، بين المقاطعة والمناورة، يبقى الشارع العراقي هو الرهينة.
موقف الصدر
في موقف متكرر لكنه يكتسب دلالات متجددة، أعلن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الجمعة، تجديد مقاطعته للانتخابات البرلمانية العراقية المزمع إجراؤها في نوفمبر المقبل، مشددًا في الوقت ذاته على ضرورة تفكيك الميليشيات المسلحة وتسليم السلاح حصراً للدولة.
دعوته جاءت عبر رسالة نشرها على حسابه في منصة "إكس"، تضمنت تأكيدًا على دعم الجيش والشرطة كمؤسسات سيادية، ورفضًا لأي تبعية خارجية تُقيد استقلالية القرار العراقي.
يُنظر إلى هذه الرسالة على أنها رد غير مباشر على الحراك السياسي الذي يشهده العراق استعدادًا للانتخابات القادمة، وسط تحضيرات تقنية أعلنتها المفوضية المستقلة، تتضمن تحديث سجلات الناخبين تمهيدًا لمشاركة أكثر من 30 مليون ناخب.
إعلان انسحاب أم رسالة تحذير؟
ليست هذه المرة الأولى التي يلوّح فيها الصدر بورقة المقاطعة، لكنها في هذه المرحلة تأخذ طابعًا أكثر جديّة بعد انسحابه الشامل من المشهد البرلماني في صيف 2022، عقب أزمة تشكيل الحكومة التي أعقبت الانتخابات السابقة.
يومها، حصد التيار الصدري 73 مقعدًا تصدّر بها نتائج الاقتراع، لكنه اصطدم بجدار الثلث المعطل الذي فعّله خصومه داخل "الإطار التنسيقي"، ما أفشل مشروعه لتشكيل حكومة أغلبية وطنية بالشراكة مع السنة والأكراد، من دون الإطار.
انسحاب الصدر من البرلمان تَبِعَه اضطراب سياسي وأمني امتد لأشهر، ما جعل مقاطعة تياره لأي انتخابات مقبلة حدثًا محوريًا يعيد خلط الأوراق.
فالصدر يُعدّ القوة الشعبية الأكثر تأثيرًا في الشارع الشيعي، وقدرته على تحريك جمهور واسع في الجنوب والوسط العراقي تعني عمليًا إمكانية إفشال أي اقتراع عبر نسبة مشاركة هزيلة أو احتجاجات لاحقة.
حلّ الميليشيات: موقف رمزي أم شرط تفاوضي؟
في صلب رسالة الصدر الأخيرة، تبرز دعوته الصريحة إلى حلّ الميليشيات وتسليم السلاح للدولة، وهي ليست دعوة جديدة، لكنها تزداد أهمية في ظل التدهور الأمني والتضارب بين القوى الرسمية والفصائل المسلحة.
يضع الصدر نفسه في موقع الطرف الشيعي الوحيد الذي ينادي بتقليص السلاح غير الشرعي، رغم أنه يقود تيارًا له امتداد مسلح هو "سرايا السلام".
ويرى مراقبون، في هذه الدعوة محاولة لاستعادة رمزية "الوطنية" التي يتبناها الصدر، وإعادة تأطير صورته كصاحب مشروع إصلاحي لا يعتمد على قوة السلاح.
غير أن توقيت الطرح، قبل أشهر قليلة من الانتخابات، قد يُفهم أيضًا كشرط تفاوضي لفتح قنوات جديدة مع القوى المتنفذة داخليًا وخارجيًا.
الرئاسة تدعو للمشاركة.. والصدر يتمسك بالمقاطعة
في مقابل التصعيد الصدري، حرصت الرئاسة العراقية على إبقاء الباب مفتوحًا، حيث وجّه الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد دعوة إلى مقتدى الصدر لمراجعة قراره والمشاركة في الانتخابات، معتبرًا أن غيابه يخلّ بالتوازن السياسي. لكن فرص تراجعه تبدو حتى اللحظة ضعيفة، خصوصًا بعد إغلاق باب تسجيل المرشحين رسميًا.
مع ذلك، يتوقع مراقبون، أن تعمد المفوضية، بدفع سياسي، إلى إعادة فتح باب الترشّح في حال قرر الصدر المشاركة في اللحظات الأخيرة، وهو احتمال لا يُستبعد في سياق قراراته السابقة التي اتّسمت بالتحوّلات المفاجئة.
الانتخابات في ظل غياب الصدر: مشهد ناقص
مع استعداد نحو 322 كيانًا سياسيًا لخوض السباق النيابي، تبدو الساحة منقوصة بغياب التيار الصدري، فالمشاركة الرمزية لبعض الشخصيات القريبة من التيار لا تكفي لملء الفراغ الشعبي والتنظيمي الذي يخلّفه انسحاب الصدر.
ويدرك خصومه أن الفوز في ظل غيابه قد يُنتج شرعية شكلية تفتقر إلى العمق المجتمعي، ما يُضعف البرلمان المقبل من لحظته الأولى، وبينما تستعد الحكومة الحالية لإكمال فترتها حتى مطلع 2026، يبقى مستقبل المسار السياسي معلقًا على قرار رجل واحد يملك مفاتيح التصعيد والتهدئة في آنٍ معًا.