عصر الإرهاب الرقمي.. كيف يُوظّف داعش الذكاء الاصطناعي لصناعة التهديد؟
عصر الإرهاب الرقمي.. كيف يُوظّف داعش الذكاء الاصطناعي لصناعة التهديد؟

في لحظة تتسارع فيها التطورات التكنولوجية وتزداد معها هشاشة الأمن العالمي، يلوّح تهديد تنظيم "داعش" مجددًا بوجه أكثر تعقيدًا من ذي قبل، فبعد أن تراجع حضوره الجغرافي في سوريا والعراق، يسعى التنظيم إلى إعادة ابتكار أدواته، مستفيدًا من حالة الفوضى في إفريقيا ومن انقسامات آسيا والشرق الأوسط، الجديد هذه المرة هو دخول الذكاء الاصطناعي إلى ترسانته الدعائية واللوجستية، حيث يستخدمه التنظيم في إنتاج محتوى متطور لاستقطاب مقاتلين، وتنسيق عملياته عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بل وحتى في تطوير أساليب القتال، التحذير الأممي، الذي جاء خلال جلسة لمجلس الأمن، لم يقتصر على رصد هذه التحولات، بل أضاء على جغرافيا واسعة من التهديدات تمتد من الساحل الأفريقي إلى أفغانستان وآسيا الوسطى وأوروبا. وبينما يظل التنظيم قادراً على استغلال هشاشة الدول والصراعات المحلية، يبرز سؤال ملحّ، كيف يمكن للعالم أن يسبق "داعش" في سباق الذكاء الاصطناعي قبل أن تتحول التقنية من أداة للتنمية إلى وقود للإرهاب؟
التهديد يتجدد بوجه رقمي
لم يعد تنظيم "داعش" يعتمد فقط على المقاتلين والانتحاريين في معاركه، بل بات يوظّف أدوات العصر الرقمية.
خلال جلسة لمجلس الأمن، كشف خبراء مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة أن التنظيم يستخدم الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد في تجنيد عناصره والتخطيط لعملياته. التحذير الأممي جاء ليؤكد أن "داعش" لم يختفِ، بل أعاد صياغة نفسه وفق مقتضيات الزمن الرقمي.
إفريقيا.. المسرح الأوسع
إفريقيا تبدو اليوم أكثر ساحات التمدد خصوبة للتنظيم، ففي الساحل الإفريقي، من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ينشط التنظيم عبر دعاية إلكترونية وقدرة على جذب مقاتلين محليين وأجانب، بحسب ما أوضح فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة.
الاعتقالات الأخيرة في ليبيا كشفت شبكات مالية ولوجستية متشابكة تمدّ التنظيم بالحياة، وفي الصومال، ورغم نجاح قوات الأمن في إحباط هجوم واسع أسفر عن مقتل نحو 200 عنصر واعتقال 150 آخرين، فإن "داعش" ما زال قادرًا على التعافي من الضربات بفضل شبكة دعم إقليمية تتخطى الحدود.
أما في حوض بحيرة تشاد، فقد لفتت ناتاليا جيرمان، المديرة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب، إلى أن التنظيم يتلقى إمدادات من الخارج تشمل الأموال والطائرات المسيّرة وخبرات تصنيع العبوات الناسفة. وتضيف: "أكثر من نصف ضحايا الإرهاب عالميًا يسقطون في القارة الأفريقية، وهو ما يعكس حجم الكلفة الإنسانية المروعة التي تتحملها شعوبها".
خلايا لا تموت
ورغم أن "داعش" فقد ما يسمى بـ"دولة الخلافة" بعد هزيمته في العراق عام 2017، فإن خلاياه لم تُستأصل.
في سوريا والعراق، يستغل التنظيم الثغرات الأمنية في منطقة البادية، ويعيد ترتيب صفوفه عبر عمليات سرية تستهدف استنزاف السلطات المحلية. بحسب فورونكوف، فإن الاستراتيجية الجديدة تقوم على "إشعال توترات طائفية وزرع الفوضى أكثر من السيطرة على الأرض".
التحذيرات الأكثر خطورة جاءت بشأن فرع التنظيم المعروف بـ"ولاية خراسان"، الذي ينشط في أفغانستان ويمثل تهديدًا مباشرًا لآسيا الوسطى وما وراءها.
التنظيم يستهدف المدنيين والأقليات والبعثات الأجنبية، معتمدًا على خطاب متشدد وحملات إلكترونية لتمويل أنشطته، هنا، يبرز الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي في تصميم دعاية متطورة تستهدف الشباب عبر العالم الرقمي.
الذكاء الاصطناعي كسلاح مزدوج
ما يقلق الخبراء هو أن التنظيم لم يعد يكتفي بتقنيات بدائية، بل أصبح يوظّف أدوات الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى مرئي وصوتي يصعب تمييزه عن المصادر الموثوقة، مما يضاعف من قدرته على التأثير النفسي.
كما تشير تقارير إلى احتمالية استغلال هذه التقنيات في تطوير طائرات مسيّرة أو تصنيع متفجرات بطرق يصعب كشفها.
لكن المفارقة أن الذكاء الاصطناعي ذاته قد يكون خط الدفاع الأول ضد الإرهاب، إذا ما أحسنت الدول استخدامه.
إذ يمكنه المساعدة في تعقب التحويلات المالية المشبوهة، وتحليل أنماط الدعاية المتطرفة، واكتشاف الشبكات الافتراضية التي يستخدمها التنظيم.
من جانبهم يرى مراقبون، أن التحذيرات الأممية تضع المجتمع الدولي أمام سؤال جوهري وهو هل نملك القدرة على تسخير الذكاء الاصطناعي لمكافحة الإرهاب بالوتيرة نفسها التي يوظفها الإرهابيون، جيرمان أجابت بوضوح: "الحلول التقليدية لم تعد كافية، نحن بحاجة إلى ابتكار تقنيات موازية توقف هذا السباق غير المتكافئ".
وأكد مراقبون أن الخطر لم يعد جغرافيًا فحسب، بل صار رقميًا عابرًا للحدود، وما لم تُستثمر الموارد في بناء قدرات تكنولوجية وأمنية متطورة، فإن "داعش" سيظل قادرًا على مفاجأة العالم بطرق غير متوقعة.
من جانبه، يقول المهندس أحمد ثروت، خبير الأمن السيبراني: إن أخطر ما في استخدام "داعش" للذكاء الاصطناعي ليس فقط في الجانب التقني، بل في قدرته على إغناء آلة الدعاية المتطرفة.
وأوضح - في حديثه لـ"العرب مباشر" - أن التنظيم لا يستخدم هذه التكنولوجيا بديلًا عن أدواته السابقة، بل مكمّلًا لها، بحيث يمنح أنصاره ومؤيديه قدرة على إنتاج محتوى عاطفي مؤثر يركز على شعارات ومفاهيم بسيطة لكنها محفّزة لخيال المتابعين.
وأشار ثروت إلى أن طبيعة هذا المحتوى تجعله في كثير من الأحيان بعيدًا عن رادار الرقابة على منصات التواصل الاجتماعي، إذ يأتي بصيغ مختلفة عن الخطاب التقليدي للتنظيم.
بل إن بعض المواد الدعائية، حتى وإن بدت ساذجة أو غير واقعية، تحمل عنصر التجديد الكافي لجذب اهتمام المتابعين، ومن ثم تداولها على نطاق أوسع بين شبكات الدعم غير الرسمية.
وحذّر ثروت من أن هذا التوجه يضاعف من صعوبة المواجهة؛ فبينما تبني الدول استراتيجياتها على رصد المحتوى "الكلاسيكي" المعروف للتنظيم، يفتح الذكاء الاصطناعي الباب أمام موجة جديدة من الدعاية المرنة، القابلة للتجدد والانتشار بطرق لا يسهل كشفها. لذلك، يُؤكد أن الرد الفعّال لا بد أن يكون ابتكاريًا بالقدر نفسه، يجمع بين الأدوات التقنية والوعي المجتمعي لمواجهة خطاب الكراهية في فضاء الإنترنت.