خطة نتنياهو لغزة.. إخلاء قسري ومخاطر حرب عصابات في عملية قد تمتد حتى 2026
خطة نتنياهو لغزة.. إخلاء قسري ومخاطر حرب عصابات في عملية قد تمتد حتى 2026

في ظل التصعيد العسكري المستمر منذ ما يزيد عن 22 شهرًا، تتجه إسرائيل نحو تنفيذ واحدة من أكبر عملياتها البرية في قطاع غزة، بخطة محكمة تحمل في طياتها أبعادًا سياسية وأمنية وإنسانية معقدة.
فوفق ما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية، تستعد تل أبيب لفرض سيطرة كاملة على مدينة غزة، أكبر مدن القطاع وأكثرها كثافة سكانية، عبر عملية تدريجية تبدأ بإخلاء مئات الآلاف من المدنيين نحو مناطق "إنسانية" جنوبية، قبل التوغل البري الكامل، هذه الخطوة، التي قد تمتد حتى يناير 2026، أثارت جدلًا داخل أروقة القيادة الإسرائيلية، حيث حذر قادة عسكريون وأمنيون من تداعياتها على حياة الجنود والأسرى، ومن صعوبة التعامل مع مقاومة محتملة بأسلوب حرب العصابات.
وبين طموحات الحكومة الإسرائيلية بفرض الأمر الواقع، وواقع ميداني وإنساني بالغ التعقيد، يبدو أن غزة مقبلة على مرحلة جديدة من الصراع قد تعيد رسم معالم المشهد الإقليمي برمته.
مراحل خطة السيطرة على غزة
تتضمن الخطة التي كشفت عنها مصادر إسرائيلية عدة مراحل متسلسلة، تبدأ بعملية إخلاء تدريجية لأكثر من 800 ألف فلسطيني من مدينة غزة نحو منطقة المواصي في الجنوب.
هذه العملية وحدها، بحسب التقديرات، قد تستغرق 45 يومًا على الأقل، على أن ترافقها تعبئة عسكرية غير مسبوقة، تشمل استدعاء قوات احتياط من الفرقة 146، ونشر الفرقة 98 في القطاع، ليصل عدد الفرق العسكرية المشاركة إلى ست فرق ميدانية.
المرحلة التالية ستشهد فرض طوق عسكري شامل على المدينة في موعد محدد هو 25 أكتوبر، كخطوة تمهيدية للتوغل البري.
ووفق تقديرات أمنية إسرائيلية، فإن التنفيذ الكامل للخطة قد يستمر حتى مطلع 2026، ما لم تحدث تطورات سياسية أو صفقات تبادل أسرى تغيّر مسار الأحداث.
التحفظات والانقسامات داخل القيادة الإسرائيلية
على الرغم من المضي قدمًا في الإعداد، فإن الخطة لم تحظَ بإجماع داخل الدوائر الأمنية والعسكرية. فقد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن اجتماعًا مطولًا استمر أكثر من عشر ساعات، حضره رئيس الأركان، ورئيس الموساد، والقائم بأعمال رئيس الشاباك، ورئيس مجلس الأمن القومي، شهد نقاشات حادة حول جدوى العملية ومخاطرها.
التحفظات لم تكن على مبدأ العمل العسكري، بل على توقيته وآلياته.
فقد حذر قادة بارزون من أن اقتحام مدينة غزة قد يضاعف من المخاطر على حياة الجنود والأسرى لدى حماس، وأن هناك بدائل تكتيكية أكثر ملاءمة لتحقيق الأهداف دون الدخول في مواجهة حضرية واسعة النطاق.
المبادئ العسكرية المعلنة
رئيس الأركان، وفق ما نقلته إذاعة جيش الاحتلال، حدد أربعة مبادئ أساسية للعمليات:
أولها، تجنب الإضرار بالأسرى خلال أي هجوم، المبدئ الثاني، استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط مع تنظيم جولات تبديل للقوات، الثالث هو إخلاء المدنيين قبل أي توغل بري، الرابع هو الالتزام بالقانون الدولي وتوفير ظروف إنسانية للنازحين.
كما نصت الخطة على البقاء في المناطق المسيطر عليها ضمن عملية "مركبات جدعون"، التي تشمل نحو 75% من مساحة القطاع.
المخاوف الميدانية
رغم وضوح الخطوط العريضة، هناك شكوك كبيرة حول إمكانية تجهيز مناطق إنسانية قادرة على استيعاب ما يقارب مليون شخص خلال شهرين فقط.
مصادر عسكرية إسرائيلية نبهت أيضًا أن مقاتلي حماس قد يندسون بين النازحين، ما قد يعقد عملية الإخلاء ويطيل أمد المواجهة، فضلًا عن توقع اندلاع حرب عصابات بعد السيطرة على المدينة، وهو سيناريو سيكلف الاحتلال استنزافًا بشريًا وماديًا كبيرًا.
منذ اندلاع الحرب قبل نحو عامين، فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة بالقضاء على حركة حماس أو تحرير الأسرى، بينما تكبد المدنيون الفلسطينيون خسائر بشرية ومادية هائلة.
وتظل مدينة غزة، بما تمثله من مركز سكاني وثقل سياسي وميداني، العقدة الأصعب أمام أي خطة عسكرية إسرائيلية، ويرى مراقبون أن المضي في هذه العملية قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع، قد تمتد آثارها إلى خارج حدود القطاع، نظرًا لاحتمالية تدخل أطراف إقليمية أو تصاعد الضغط الدولي على إسرائيل.
وفي المقابل، تراهن حكومة نتنياهو على أن السيطرة الكاملة على المدينة ستمنحها ورقة تفاوضية قوية في أي تسوية سياسية مستقبلية، حتى وإن جاء ذلك على حساب كلفة بشرية باهظة.
صراع مفتوح
من جانبه، يرى د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن خطة إسرائيل للسيطرة على مدينة غزة تمثل تحولًا استراتيجيًا في مسار الصراع، إذ لم تعد تل أبيب تكتفي بالضربات الجوية أو العمليات المحدودة، بل تتجه نحو فرض واقع ميداني شامل قد يغير طبيعة المواجهة.
ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن إخلاء مئات الآلاف من السكان نحو منطقة المواصي يحمل أبعادًا سياسية تتجاوز البعد العسكري، حيث تسعى إسرائيل لتقليص الكثافة السكانية في المدينة تمهيدًا لفرض ترتيبات أمنية دائمة.
كما يشير إلى أن الانقسامات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعكس إدراكًا عميقًا للمخاطر الميدانية، خاصة أن حرب المدن وحرب العصابات قد تستنزف الجيش الإسرائيلي لفترة طويلة، وتؤدي إلى خسائر بشرية ومادية فادحة.
ويرى فهمي أن أي عملية بهذا الحجم ستؤثر أيضًا على صورة إسرائيل دوليًا، إذ قد تواجه انتقادات واسعة بشأن التهجير القسري والانتهاكات المحتملة للقانون الدولي الإنساني.
ويختتم بالقول: إن العملية، إذا نُفذت، ستكون اختبارًا لقدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها في بيئة حضرية مكتظة، وفي ظل مقاومة منظمة ومسلحة قد تُبقي الصراع مفتوحًا لسنوات