اغتيالات نوعية وهجمات مسيّرة.. من يتحكم بإيقاع الحرب بين الحوثيين وتل أبيب؟
اغتيالات نوعية وهجمات مسيّرة.. من يتحكم بإيقاع الحرب بين الحوثيين وتل أبيب؟

في ظل تصاعد المواجهة بين الحوثيين وإسرائيل، يبدو أن اليمن بات ساحة رئيسية لصراع تتجاوز أبعاده حدود المنطقة، فبينما نجحت الجماعة في تنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت مواقع استراتيجية إسرائيلية مثل مفاعل ديمونة ومطار رامون، فإن الضربة الجوية التي أدت إلى مقتل رئيس حكومتها وعدد من قياداتها قلبت موازين المعركة، ومع ذلك، لم تُظهر الجماعة أي مؤشرات على التراجع، بل تعهّدت بتصعيد هجماتها، في مشهد يعكس تشابك المشروع الإيراني مع تحركاتها.
هذا التصعيد، الذي يتزامن مع ضغوط دولية متزايدة على طهران بشأن برنامجها النووي، يثير تساؤلات حول مستقبل الحوثيين، وقدرتهم على الصمود أمام سلسلة اغتيالات قد تمتد إلى صفوف قياداتهم العليا، وبينما تحاول الجماعة إعادة ترتيب أوراقها السياسية والعسكرية، يترقب المراقبون ما إذا كان التصعيد سيظل في إطار حرب استنزاف، أم أنه يمهّد لمواجهة إقليمية أوسع بين طهران وتل أبيب.
ساحة اختبار
تشير التطورات الأخيرة إلى أن المواجهة بين إسرائيل والجماعة الحوثية لم تعد محصورة في حرب رمزية أو تبادل محدود للهجمات، بل تحوّلت إلى ساحة اختبار استراتيجي للإرادة الإيرانية في المنطقة.
الضربة الإسرائيلية التي أودت بحياة رئيس الحكومة الحوثية وعدد من كبار مسؤوليها كانت بمثابة رسالة مزدوجة، من جهة تؤكد قدرة تل أبيب على الوصول إلى العمق الأمني للجماعة، ومن جهة أخرى تشير إلى استعدادها لتوسيع بنك أهدافها ليشمل قيادات ذات ثقل حقيقي.
ورغم أن تلك الضربة لم تصب البنية العسكرية للجماعة في مقتل، فإنها أظهرت هشاشة منظومتها الأمنية وفرضت عليها إعادة ترتيب صفوفها تحت ضغط الخوف من اختراقات استخباراتية جديدة.
في المقابل، لم تتراجع الجماعة الحوثية عن موقفها الهجومي، بل كثفت خطابها الدعائي واعتبرت اغتيال قادتها دليلاً على أهميتها في ما تسميه "محور المقاومة".
المصلحة الإيرانية
بحسب الباحث اليمني باسم الحكيمي، فإن الجماعة تستمد شرعيتها من التصعيد المستمر، سواء عبر مواجهاتها الداخلية مع خصومها اليمنيين أو عبر مهاجمة أهداف خارجية تتماهى مع أجندة طهران الإقليمية.
ويشير الحكيمي -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن قرار الاستمرار في استهداف إسرائيل ليس حوثيًا صرفًا، بل هو انعكاس مباشر لإستراتيجية إيران في اختبار قدرة خصومها على الاستنزاف.
ويؤكد الحكيمي، أن الحرس الثوري الإيراني سيتكفل بتأهيل كوادر جديدة لتعويض القيادات التي يتم اغتيالها، كما سيواصل تزويد الجماعة بالتقنيات والأسلحة اللازمة لإبقاء جبهة اليمن نشطة في أي مواجهة إقليمية مقبلة.
ويضيف: أن المشروع الإيراني في اليمن لا ينفصل عن مشروعه النووي ولا عن رغبته في الضغط على الغرب، وهو ما يجعل استمرار الحوثيين في التصعيد شبه حتمي طالما اقتضت المصلحة الإيرانية ذلك.
صعوبات داخلية وخطر خارجي
غير أن الوضع الداخلي للجماعة يبدو مهددًا بأكثر من طريقة، فعملية إعادة توزيع المناصب بعد مقتل عدد من أعضاء حكومتها ستضعها أمام امتحان صعب، خصوصًا أن تشكيل الحكومة السابقة استغرق أكثر من عام من التوافقات الداخلية.
كما تواجه الجماعة موجة استياء شعبي بسبب سياساتها القمعية وفرض الجبايات التي أثقلت كاهل السكان في مناطق سيطرتها، مشاهد تشييع القتلى وعدم إعلان الحداد أو تنكيس الأعلام أثارت استياء حتى بين أنصار الجماعة، ما قد يفاقم التوترات الداخلية ويزيد من صعوبة الحفاظ على تماسكها.
على الجانب الإسرائيلي، يبدو أن الخيارات باتت أكثر تنوعًا وعمقًا، فالتقديرات تشير أن تل أبيب استطاعت بناء شبكة استخباراتية توفر لها معلومات دقيقة عن تحركات قيادات الحوثيين، وهو ما يمكّنها من توجيه ضربات نوعية عند الحاجة.
ويذهب مراقبون إلى أن إسرائيل قد تصعد استراتيجيتها من استهداف قيادات ميدانية إلى استهداف شخصيات من الصف الأول، في محاولة لتقويض قدرة الجماعة على قيادة العمليات من صنعاء.
ومع ازدياد الضغط الغربي على طهران بعد تفعيل "آلية الزناد" من قبل الترويكا الأوروبية، يتوقع محللون أن تستخدم إيران الحوثيين كورقة ضغط إضافية في مواجهة المجتمع الدولي، سواء عبر تصعيد الهجمات على إسرائيل أو تهديد الملاحة في البحر الأحمر.
لكن المخاطرة تكمن في أن استمرار هذه الهجمات قد يفتح الباب أمام ردود انتقامية أوسع نطاقًا، ربما تشمل استهداف منشآت حيوية في اليمن وتعميق عزلة الجماعة داخليًا وخارجيًا.
تصعيد لن يتوقف
من جانبه، يقول الكاتب السياسي صالح علي الدويل باراس: إن التصعيد الحوثي الأخير يحمل في طياته رسائل سياسية أكثر مما يعكس قدرات عسكرية حاسمة.
ويوضح باراس، أن الجماعة تدرك تمامًا أن استهداف إسرائيل بشكل مباشر لن يغير موازين القوى لمصلحتها، لكنها تراهن على استثمار الضربات الإسرائيلية في تعزيز سرديتها بأنها جزء من محور المقاومة، الأمر الذي يمنحها شرعية رمزية أمام جمهورها الداخلي وأنصارها في المنطقة.
ويشير باراس في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن رد الفعل الإسرائيلي كان متوقعًا، بل وربما مرغوبًا من قبل الجماعة، لأنه يتيح لها استخدام لغة التحدي والمظلومية في خطابها التعبوي، ما يساعدها على تجنيد المزيد من المقاتلين وتأمين استمرار التمويل الإيراني.
ويضيف باراس: أن تل أبيب بدورها تسعى إلى استنزاف الجماعة تدريجيًا عبر اغتيالات مدروسة تستهدف شخصيات وسطية لتقويض قدرتها على العمل المنظم، مع الاحتفاظ بإمكانية توجيه ضربة استراتيجية ضد قيادات الصف الأول عند الضرورة.
ويرجح أن الأشهر المقبلة ستشهد تصعيدًا متبادلاً، لكن دون الوصول إلى حرب شاملة، إذ يسعى الطرفان إلى تجنب مواجهة مباشرة قد تستدرج إيران للدخول في صراع مفتوح، وهو سيناريو لا تفضله إسرائيل حاليًا في ظل انشغالها بجبهات أخرى.