ارتفاع قياسي للتضخم وانهيار للمؤسسات العامة وظلام دامس.. لبنان ينزلق نحو المجهول
تعاني لبنان من ارتفاع قياسي للتضخم وانهيار للمؤسسات العامة وظلام دامس
يواجه لبنان أزمة كبرى تهدد مصيره، فمن الانهيار الاقتصادي للفراغ الرئاسي لتوقف المؤسسات عن تقديم الخدمات، بدأت البلاد تنزلق نحو المجهول في ظل غضب شعبي عارم وغير مسبوق من النخبة السياسية.
تضخم غير مسبوق
وأفادت مجلة "ذا ناشيونال" الدولية، بأن التضخم في لبنان بلغ 230 بالمئة سنويا في أغسطس، وسط تعثر الإصلاحات الاقتصادية والفراغ السياسي الذي ترك البلاد بدون رئيس منذ ما يقرب من عام، واستمر التضخم بأرقام ثلاثية للشهر الثامن والثلاثين على التوالي، حيث واصلت عملة البلاد فقدان قيمتها في الأسواق الموازية والرسمية منذ انخفاض قيمتها بنسبة 90 في المائة في بداية فبراير.
وقالت الإدارة المركزية للإحصاء: إن الزيادة في تكاليف المعيشة الشهر الماضي كانت مدفوعة بارتفاع تكاليف السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى، فضلا عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية والنقل. وأظهر مؤشر أسعار المستهلك.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنحو 1 في المائة اعتبارا من يوليو 2023، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية، التي تمثل 20 في المائة من مؤشر أسعار المستهلك، بنسبة 274 في المائة سنويا، في حين ارتفعت أسعار السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى - التي يبلغ وزنها 28 في المائة - بنسبة 233 في المائة.
وارتفعت تكاليف الصحة، التي تمثل نحو 8 في المائة من المؤشر، بنسبة 235 في المائة، وارتفعت تكاليف النقل، التي يبلغ وزنها 13 في المائة، بنسبة 231 في المائة.
وبدأ معدل التضخم في لبنان التراجع بعد أن بلغ 171 في المائة العام الماضي، وهو الأعلى منذ نحو أربعة عقود، و155 في المائة في 2021، ومع ذلك، بدأت في التحسن في وقت مبكر من هذا العام حيث قام البنك المركزي في البلاد بتخفيض قيمة الليرة اللبنانية في فبراير.
وأوضحت المجلة الدولية أن سعر الصرف الرسمي تغير إلى 15 ألف جنيه للدولار الأميركي، مقارنة بالربط المعمول به منذ عام 1997 عند 1507.50 جنيهًا للدولار، وفي الشهر الماضي، انخفضت ظروف العمل في القطاع الخاص اللبناني إلى أدنى مستوى في سبعة أشهر بعد أن بلغت أعلى مستوى في عشر سنوات في يوليو، مع انخفاض الإنتاج والطلبيات الجديدة.
وانخفض مؤشر بلوم لمديري المشتريات في لبنان، وهو مقياس لقوة اقتصاد القطاع الخاص في البلاد، إلى 48.7 في أغسطس من 50.3 في يوليو، مسجلا أسرع انكماش في ستة أشهر، متأثرا بالظروف المحلية الصعبة التي أثرت على أحجام الإنتاج.
ومنذ عام 2019، وقعت البلاد في قبضة أزمة اقتصادية وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أسوأ الأزمات في التاريخ الحديث.
فشل الإصلاحات
وأوضحت المجلة الدولية أن النخبة السياسية لم تنفذ بعد الإصلاحات الهيكلية والمالية الحاسمة اللازمة لإطلاق سراح 3 مليارات دولار من المساعدات من صندوق النقد الدولي، وهو ما يمكن أن يمهد الطريق أيضا لمليارات أخرى من المساعدات من مانحين دوليين آخرين.
وتابعت أنه في وقت سابق من هذا الشهر، حذر صندوق النقد الدولي من أن الافتقار إلى الإرادة السياسية لإجراء إصلاحات حاسمة أدى إلى تآكل الخدمات العامة، وتسريع تدهور البنية التحتية للبلاد، وتفاقم الفقر - الأمر الذي سيثقل كاهل اقتصادها لسنوات قادمة.
وفي يونيو الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من أن المزيد من التأخير في الإصلاحات من شأنه أن يبقي الثقة منخفضة بينما ستزداد الدولرة النقدية للاقتصاد، مما يتسبب في انخفاض قيمة العملة الوطنية بشكل أكبر والإبقاء على التضخم مرتفعًا.
وانكمش اقتصاد لبنان بنحو 58 في المائة بين عامي 2019 و2021، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي إلى 21.8 مليار دولار في عام 2021 من نحو 52 مليار دولار في عام 2019، وفقا للبنك الدولي. وكان هذا أكبر انكماش في قائمة تضم 193 دولة.
ويقدر البنك الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انخفض بنسبة 2.6 في المائة في عام 2022، ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 0.5 في المائة هذا العام.
وانهار اقتصاد لبنان بعد أن تخلف عن سداد نحو 31 مليار دولار من سندات اليورو في مارس 2020، وتشير التقديرات إلى أن قطاعه المصرفي سجل خسائر تزيد على 70 مليار دولار.
كما ظلت البلاد بدون رئيس منذ نهاية أكتوبر 2022، عندما انتهت ولاية ميشال عون البالغة ست سنوات. وتديرها حكومة تصريف أعمال برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بصلاحيات محدودة.
فراغ رئاسي
وأوضحت المجلة الدولية، أن الفراغ السياسي أدى إلى توقف التقدم الاقتصادي في لبنان حيث أدى إلى إحباط سن الإصلاحات التي تعتبر ضرورية لخروج البلاد من أسوأ أزماتها المالية.
وكانت البلاد في السابق بدون رئيس لمدة عامين ونصف حتى انتخاب السيد عون من قبل البرلمان المؤلف من 128 مقعدًا في عام 2016، وانتخب سلفه ميشال سليمان في عام 2008 وبعد 19 تأجيلا في البرلمان، منهيا بذلك أزمة سياسية استمرت 18 شهرا.
غضب شعبي
وأكد موقع "المونيتور" الأمريكي، أن مجموعة من اللبنانيين اقتحمت مبنى شركة الكهرباء الحكومية اللبنانية في العاصمة بيروت يوم الثلاثاء احتجاجا على ارتفاع فواتير الكهرباء وسط أزمة اقتصادية خانقة.
وانتشرت على الفور قوات الأمن وشرطة مكافحة الشغب داخل مقر شركة كهرباء لبنان، بحسب تقارير محلية، وبعد ذلك غادر المتظاهرون المبنى. وفي وقت لاحق، التقى وفد يمثل المحتجين بمدير مؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك، لبحث سبل تخفيض الفواتير الشهرية، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.
أزمة كهرباء
وأفاد الموقع الأميركي، بأن لبنان يعاني من أزمة كهرباء منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990. واستمر انقطاع التيار الكهربائي المتقطع منذ ذلك الحين وسط الفساد المستشري وسوء الإدارة من قبل النخبة السياسية الحاكمة. وتفاقمت الأزمة بعد الانهيار المالي في أكتوبر 2019. ولم تتمكن الحكومة من دفع ثمن واردات الوقود بسبب انهيار العملة المحلية، مما أدى إلى نقص في الوقود على مستوى البلاد، وفي أكتوبر 2021، توقفت محطتا الطاقة الرئيسيتان في البلاد عن العمل بسبب نقص الوقود، مما أدى إلى إغراق البلاد في الظلام.
وتمت استعادة الكهرباء في وقت لاحق من ذلك الشهر بعد أن تلقت وزارة الطاقة خط ائتمان بقيمة 100 مليون دولار من البنك المركزي في البلاد لاستيراد الوقود، ومع ذلك، واصلت شركة كهرباء لبنان تقنين توزيع الكهرباء، وتزويد المواطنين بالكهرباء لبضع ساعات في اليوم، واضطر العديد من اللبنانيين إلى الاعتماد على المولدات الخاصة رغم ارتفاع تكلفتها، فيما قام آخرون بتركيب ألواح شمسية لتوليد الكهرباء.
وأوضح الموقع الأمريكي، أنه في نوفمبر الماضي، رفعت شركة كهرباء لبنان تعرفة الكهرباء على أمل زيادة إمدادات الطاقة، وتم تحديد سعر أول 100 كيلووات/ساعة مستهلكة بـ 0.10 دولار لكل منها، وكل كيلووات بعد ذلك بـ 0.27 دولار. ويدفع المواطنون فواتيرهم بالليرة اللبنانية على أساس ما يسمى سعر الصيرفة، وهي منصة إلكترونية أنشأها البنك المركزي لتحديد سعر الصرف وفق تسعير يومي قريب من سعر الصرف في السوق السوداء. وحدد سعر الصرف اليوم بـ 85.500 ليرة للدولار.
ويعد إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان أحد الشروط الأساسية التي طرحها المانحون الدوليون، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، لإطلاق المساعدات التي تشتد الحاجة إليها.