روسيا تعزز مواقعها.. هل يقترب الغرب من طاولة المفاوضات؟.. خبراء يجيبون
روسيا تعزز مواقعها.. هل يقترب الغرب من طاولة المفاوضات؟.. خبراء يجيبون

مع استمرار الحرب في أوكرانيا لأكثر من عامين، بدأت معادلة الصراع تتغير بشكل جذري، ما بدأ كمواجهة بين قوة عسكرية كبرى وأمة تسعى للدفاع عن سيادتها، تحول إلى لعبة استراتيجية معقدة تتداخل فيها المصالح الجيوسياسية والاقتصادية، الغرب، الذي كان يروج لرواية الانتصار الأوكراني الوشيك، بدأ يعيد حساباته في ضوء التطورات الميدانية الأخيرة، تقدم القوات الروسية في دونيتسك وتراجع الخطوط الدفاعية الأوكرانية يطرح تساؤلات حول مستقبل الصراع: هل وصلت الحرب إلى نقطة اللاعودة، وهل بات الغرب مستعدًا للجلوس إلى طاولة المفاوضات؟
*تحول الخطاب الإعلامي الغربي*
خلال الأشهر الأولى من الحرب، سيطرت رواية "الصمود الأوكراني" على الإعلام الغربي، كانت الصور الملهمة للمقاومة الأوكرانية والخطابات الحماسية للرئيس زيلينسكي تملأ الشاشات، بينما تم تصوير روسيا على أنها قوة عسكرية ضعيفة ومفككة.
لكن مع مرور الوقت، بدأت هذه الرواية تتآكل، وفقًا للكاتب الصحفي جلاند دايسون، فإن الإعلام الغربي بدأ يتحول من الحديث عن "النصر الأوكراني" إلى التركيز على الخسائر الفادحة والمعاناة اليومية للشعب الأوكراني.
هذا التحول ليس مجرد تغيير في الأسلوب، بل يعكس إدراكًا متزايدًا للواقع الميداني الذي يشير إلى تفوق روسي تدريجي.
*الدعم الغربي: بين الطموحات والحدود*
الدعم العسكري والمالي الذي قدمه الغرب لأوكرانيا كان يهدف في البداية إلى استنزاف روسيا وإضعاف نظام بوتين، لكن بعد أكثر من عامين، يبدو أن هذا الدعم وصل إلى نقطة التشبع.
يقول د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية: إن الغرب يواجه معضلة كبيرة: فمن ناحية، أوكرانيا تمثل ورقة استراتيجية في الصراع مع روسيا، ولكن من ناحية أخرى، استمرار الحرب يؤدي إلى استنزاف موارد الناتو نفسه.
وأضاف المنجي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن هناك سوء فهم في تعريف النصر والهزيمة، مشيرًا أن روسيا ليست بالضعف الذي يتم تصويره، بل نجحت في تثبيت مواقعها وتحقيق مكاسب استراتيجية.
*زيلينسكي تحت الضغط*
من جانبه، ظل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يرفع شعار "النصر الكامل"، ولكن مؤخرًا بدأ يظهر عليه علامات التعب، ودعوته الأخيرة إلى صياغة خطة سلام شاملة مع روسيا تشير إلى إدراكه بأن استمرار الحرب قد لا يكون خيارًا مستدامًا.
ومع ذلك، يحاول زيلينسكي الحفاظ على معنويات شعبه، حيث أشار في تصريحات سابقة إلى توقع تحقيق النصر بحلول عام 2025، وفقًا لـ"رويترز".
لكن التصعيد الروسي الأخير، باستخدام القنابل الانزلاقية والطائرات المسيرة، يضعف من هذه التوقعات ويزيد من الضغوط الداخلية والخارجية على زيلينسكي.
*روسيا: من الدفاع إلى الهجوم الاستراتيجي*
بعد مرحلة من الصعوبات الميدانية في بداية الحرب، استطاعت القوات الروسية استعادة زمام المبادرة، خاصة في مناطق مثل دونيتسك.
الهدف الروسي لا يقتصر على المكاسب العسكرية فحسب، بل يشمل أيضًا تعزيز نفوذ بوتين الداخلي والخارجي.
من جهته، يقول المنجي: إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى في السيطرة على الموارد والأراضي وسيلة لتعزيز قوة روسيا، وفي الوقت نفسه يعمل على تفادي نقاط الضعف التي يمكن أن تستغلها الدول الغربية.
وأوضح، أن هذا التحول في الاستراتيجية الروسية يضع الغرب أمام تحديات جديدة، خاصة في ظل تقارير تشير إلى نفاذ الموارد الأوكرانية.
*المفاوضات: هل هي الحل الوحيد؟*
بدأت فكرة المفاوضات، التي كانت مرفوضة تمامًا في بداية الحرب، تكتسب زخمًا تدريجيًا، الغرب يدرك أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة، خاصة في ظل تقارير تفيد بنفاذ الموارد الأوكرانية، وفقًا لصحيفة "الجارديان".
يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، د. طارق فهمي، أن التحول في خطاب الإعلام الغربي يعكس استعدادًا لتغيير النهج بالكامل.
وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، قد يتم تقديم الحرب على أنها نجاح استراتيجي للناتو، من خلال التركيز على توسع الحلف بانضمام السويد وفنلندا، وتعزيز أمن أوروبا.
وتابع: لكن السؤال الذي يبقى معلقًا هو: هل ستقبل روسيا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ وهل ستكون هناك شروط مقبولة للطرفين؟
*مستقبل الصراع: بين النصر والاستنزاف*
بينما يروج الإعلام الغربي لفكرة أن الحرب أضعفت روسيا، يشير الواقع الميداني والسياسي إلى أن كلا الطرفين لم يحقق نصرًا كاملًا.
يقول فهمي: إن الغرب لم يستطع ردع روسيا بشكل حاسم، وروسيا لم تحقق جميع أهدافها الاستراتيجية، مضيفًا: أن الأكيد هو أن الحرب، التي استنزفت الموارد البشرية والاقتصادية للطرفين، تُظهر الآن بوادر تحول كبير.
وأضاف، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ربما لا تكون النتيجة "انتصارًا ساحقًا"، لكنها بالتأكيد تضع روسيا في موقف أقوى مما كان يتوقعه الغرب.
وأشار، أن مستقبل الحرب في أوكرانيا سيعتمد بشكل كبير على قرارات سياسية أكثر من التطورات الميدانية.