في تقرير استقصائي جديد ومُثير، كشفت لقطات مصورة حديثة عن تفاصيل تجربة اختبارية مثيرة للقلق للغواصة "تيتان"، التي انفجرت لاحقًا أثناء غوصها نحو حطام سفينة "تيتانيك" في يونيو 2023، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص.

وبحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإن هذه التجربة، التي أُجريت في أبريل 2019 قبالة جزر البهاما، كشفت عن مخاطر جسيمة واجهتها الغواصة قبل وقوع الكارثة، وهي محور وثائقي جديد بعنوان "الانفجار: كارثة غواصة تيتانيك"، الذي سيُعرض على قناة "بي بي سي 2" يوم الثلاثاء 27 مايو 2025 في التاسعة مساءً بتوقيت بريطانيا، وعلى قناة "ديسكفري" في الولايات المتحدة في الوقت ذاته.

تجربة اختبارية محفوفة بالمخاطر

في أبريل 2019، أجرى ستوكتون راش، الرئيس التنفيذي لشركة "أوشن غيت إكسبيديشنز"، تجربة غوص عميق لاختبار هيكل الغواصة "تيتان" المصنوع من ألياف الكربون، وهو الأول من نوعه، رافقه في هذه التجربة كل من جويل بيري، وهو زميل في الشركة، وبيتروس ماثيوداكيس، فني إلكترونيات تحت الماء، وكارل ستانلي، خبير في الغواصات.

وخلال الغوص إلى عمق يقارب 12 ألف قدم، واجه الفريق سلسلة من المشكلات المرعبة التي كادت تؤدي إلى كارثة.

روى المشاركون في الوثائقي تفاصيل اللحظات المرعبة، حيث سمعوا صوتًا مدويًا يشبه "طلقة نارية" صادرًا من هيكل الغواصة، تلاه انطفاء الأضواء الخارجية وفقدان الدفع العمودي الكامل بسبب عطل في إحدى وحدات البطارية.

وصف كارل ستانلي الحادثة قائلًا: إن الغواصة كانت "على بعد نقاط مئوية قليلة من الانفجار"، مشيرًا إلى أن الأصوات المقلقة التي استمرت أثناء الغوص كانت تشير إلى ضعف محتمل في هيكل الغواصة.

أما بيتروس ماثيوداكيس، الذي كان يبلغ من العمر 25 عامًا آنذاك، فقد أوضح أنه كان على دراية بالمخاطر العالية لهذه التجربة.

وروى كيف أن راش سأله قبل الغوص عما إذا كان لديه زوجة أو أطفال، وعندما أجاب بالنفي، قال له راش: "حسنًا، أنت جاهز للانضمام".

وأضاف ماثيوداكيس أن الغواصة كانت في حالة "سقوط حر" أثناء الهبوط، حيث كانت الجاذبية تدفعها للأسفل في ظلام شبه كامل، مما زاد من التوتر داخل الغواصة.

تحذيرات لم تُؤخذ على محمل الجد

بعد الغوص المرعب، أرسل كارل ستانلي بريدًا إلكترونيًا إلى ستوكتون راش في 18 أبريل 2019، حذره فيه من أن الأصوات التي سمعوها تشير إلى وجود عيب أو خلل في هيكل الغواصة.

وكتب ستانلي: "الأصوات التي سمعناها تشير إلى وجود عيب في منطقة معينة من الهيكل تتعرض لضغوط هائلة، مما يؤدي إلى سحقها أو إتلافها".

وأشار إلى أن استمرار الأصوات حتى في العمق، إلى جانب الأصوات التي سُمعت عند عمق 300 قدم، تُشير إلى "تدهور" في الهيكل.

على الرغم من هذه التحذيرات، لم يتم اتخاذ إجراءات كافية لمعالجة المشكلة. وبعد أربع سنوات، في يونيو 2023، انهار هيكل الغواصة تحت ضغط المياه الهائل أثناء رحلة استكشافية إلى حطام "تيتانيك"، مما أدى إلى مقتل ستوكتون راش (61 عامًا)، والمغامر البريطاني هاميش هاردينغ (58 عامًا)، والأب وابنه شهزادة داود (48 عامًا) وسليمان داود (19 عامًا)، والمواطن الفرنسي بول هنري نارجوليه (77 عامًا).

وثائقي يكشف تفاصيل جديدة

وأشارت الصحيفة إلى أن الوثائقي الجديد، الذي يُعرض بالتعاون بين "بي بي سي"، وقناة "ديسكفري"، و"سي بي سي" الكندية، و"زد دي إف" الألمانية، يسلط الضوء على اللحظات الأخيرة للغواصة "تيتان".

ويكشف عن لقطات جديدة تُظهر ويندي راش، زوجة ستوكتون راش، وهي تحاول التواصل مع الطاقم المفقود من على متن سفينة الدعم أثناء غوصهم نحو حطام "تيتانيك" في 2023. في إحدى اللقطات، تُسمع ويندي وهي تسأل عن "صوت الانفجار" الذي سمعت به، والذي تبين لاحقًا أنه صوت انهيار الغواصة.

ووفقًا للوثائقي، تلقت ويندي رسالة نصية تفيد بأن الغواصة أسقطت اثنين من الأوزان، مما جعلها تعتقد في البداية أن الغوص يسير كما هو مخطط. لكن المحققين يعتقدون الآن أن هذه الرسالة أُرسلت قبل لحظات من الانفجار، وتأخر وصولها بسبب الصوت الناتج عن الحادث.

تحقيقات ودروس مستفادة

في سبتمبر 2024، عُقدت جلسة استماع لمجلس التحقيق البحري في تشارلستون، ساوث كارولينا، حيث قدم 24 شاهدًا، بما في ذلك مديرون سابقون في "أوشن غيت" وكارل ستانلي، شهاداتهم حول الكارثة.

كشفت التحقيقات أن ستوكتون راش كان على علم بوجود شق في هيكل الغواصة بعد الغوص التجريبي في 2019، حيث اكتشف أحد الطيارين انفصال طبقات ألياف الكربون في عملية تُعرف بـ"التفرق"، وهي التي تسببت في الشق.

ويتناول الوثائقي - أيضًا - أسباب الحادث وما إذا كان من الممكن تجنبه، مع مقابلات مع أقارب الضحايا وخبراء يناقشون المخاطر المرتبطة بالاستكشاف العميق وحدود التكنولوجيا.

وقال هوارد لي، رئيس شبكات "ديسكفري": "قصة تيتان جذبت انتباه العالم منذ اللحظة التي فقدت فيها الغواصة الاتصال بالسطح. هذا الوثائقي يستكشف شغف الاستكشاف، والمخاطر التي نتحملها، والثمن الباهظ الذي قد يُدفع عند دفع حدود التكنولوجيا".