لعنة التخصيب تُطارد المفاوضات الإيرانية الأمريكية.. تقدم محدود في الجولة الخامسة
لعنة التخصيب تُطارد المفاوضات الإيرانية الأمريكية.. تقدم محدود في الجولة الخامسة

أعلن الوسيط العماني بدر البوسعيدي أن المحادثات بين إيران والولايات المتحدة، التي عقدت في روما يوم الجمعة 23 مايو 2025، في الجولة الخامسة من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني المتسارع، أسفرت عن "تقدم محدود ولكن غير حاسم"، وذلك وفقًا لما نقلته وكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية.
وأشار البوسعيدي إلى استمرار الجهود لتوضيح النقاط العالقة في الأيام المقبلة، بهدف التوصل إلى اتفاق مستدام ومشرف يُرضي الطرفين.
جرت المفاوضات في ظل تحديات كبيرة، حيث تواجه الولايات المتحدة وإيران عقبات رئيسية في إيجاد أرضية مشتركة.
وتتمسك الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، بموقفها الذي يطالب إيران بالتوقف التام عن تخصيب اليورانيوم كشرط لرفع العقوبات الاقتصادية التي تثقل كاهل الاقتصاد الإيراني.
وفي المقابل، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس أراغشي، في منشور على منصة إكس صباح الجمعة، أن وقف التخصيب يعني "عدم التوصل إلى اتفاق". وأضاف أراغشي: "إيجاد طريق للتوصل إلى اتفاق ليس بالأمر المعقد، حان الوقت لاتخاذ القرار".
تفاصيل المحادثات في روما
بدأت المحادثات في السفارة العمانية بحي كاميلوتشيا في روما بعد الساعة الواحدة ظهرًا بقليل، حيث وصلت قوافل عدة إلى الموقع الذي استضاف جولة سابقة من المفاوضات.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية بأن المحادثات بدأت رسميًا في تمام الساعة 1:30 ظهرًا. وبعد حوالي ساعتين ونصف، غادرت إحدى القوافل المجمع الدبلوماسي، وأوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بغائي، في تصريح للتلفزيون الرسمي من داخل السفارة، أن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف غادر للحاق بموعد طائرة، لكن المحادثات استمرت في "أجواء هادئة وعقلانية" بدون حضوره. وأعلن أراغشي عبر الإنترنت انتهاء الجولة بعد الساعة الخامسة مساءً.
مثّل الولايات المتحدة في المحادثات كل من ويتكوف ومايكل أنطون، مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، بينما لعبت سلطنة عمان، التي تُعتبر وسيطًا موثوقًا لكلا الطرفين، دورًا محوريًا في تسهيل الحوار.
التخصيب.. لعنة المفاوضات
تركزت المحادثات على الحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي تكبّدت إيران خسائر فادحة على مدى عقود من العداء بين البلدين.
ويظل تخصيب اليورانيوم النقطة الأكثر إثارة للجدل. فقد اقترح ويتكوف في مرحلة سابقة أن تسمح الولايات المتحدة لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67%، لكنه عاد ليؤكد موقفًا أكثر تشددًا يطالب بوقف التخصيب بالكامل.
ومن جانبها، تصر إيران على استمرار التخصيب داخل حدودها، مشيرة إلى فشل اقتراح مماثل لتبادل الوقود النووي في مفاوضات عام 2010.
وفي سياق متصل، أشار تقرير جديد صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية إلى أن إيران "لا تنتج أسلحة نووية حاليًا، لكنها اتخذت خطوات في السنوات الأخيرة تعزز من قدرتها على إنتاجها إذا قررت ذلك".
وأوضح التقرير أن إيران تمتلك الآن مخزونًا من اليورانيوم المخصب بدرجة قريبة من المستوى المطلوب للأسلحة، مما يقلل الوقت اللازم لإنتاج يورانيوم بدرجة تصلح لصنع جهاز نووي إلى أقل من أسبوع. ومع ذلك، يرجح الخبراء أن إيران لا تزال بحاجة إلى أشهر لصنع قنبلة نووية فعالة.
ضغوط متزايدة وتوترات إقليمية
تأتي هذه المحادثات وسط تصعيد الضغوط الأمريكية على إيران، حيث فرضت إدارة ترامب عقوبات جديدة هذا الأسبوع، استهدفت بشكل خاص مبيعات مادة بيركلورات الصوديوم إلى إيران، والتي يُزعم أنها وصلت عبر شحنات صينية إلى ميناء شهيد رجائي قرب بندر عباس. وكان هذا الميناء قد شهد انفجارًا كبيرًا وغامضًا في أبريل الماضي، أسفر عن مقتل العشرات وإصابة أكثر من ألف شخص خلال إحدى جولات المفاوضات.
على الصعيد الإقليمي، تواجه إيران تحديات إضافية مع تهديدات إسرائيل بشن ضربات على المنشآت النووية الإيرانية إذا شعرت بالتهديد، مما يزيد من التوترات في المنطقة التي تعاني بالفعل من تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة. وحذر أراغشي يوم الخميس من أن إيران ستتخذ "تدابير خاصة" لحماية منشآتها النووية إذا استمرت التهديدات الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن طهران ستعتبر الولايات المتحدة متواطئة في أي هجوم إسرائيلي. وفي خطوة رمزية، سمحت السلطات الإيرانية لمجموعة من الطلاب بتشكيل سلسلة بشرية حول موقع التخصيب تحت الأرض في فوردو، وهو موقع شديد التحصين تم بناؤه داخل جبل لحمايته من الضربات الجوية المحتملة.
الوضع الداخلي في إيران
تُواجه إيران ضغوطًا داخلية متزايدة، حيث يُعاني اقتصادها من انهيار قيمة الريال الإيراني، الذي تجاوز حاجز المليون ريال مقابل الدولار الأمريكي في أبريل الماضي.
ورغم التحسن الطفيف في قيمة العملة مع استمرار المحادثات، فإن أي انهيار إضافي قد يُؤدي إلى اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق. كما تشهد إيران توترات اجتماعية بسبب قانون الحجاب الإلزامي، حيث تواصل نساء في طهران تحدي القانون، بينما تتردد شائعات حول نية الحكومة رفع أسعار الوقود المدعوم، وهو ما أثار احتجاجات وطنية في الماضي.
على المستوى الإقليمي، تعرضت ما تسمى بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران لضربات قوية، حيث تعرض حلفاؤها الإقليميون لهجمات متكررة من إسرائيل خلال الحرب ضد حماس.
كما أن انهيار حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر الماضي، بعد تقدم المعارضة، جرد إيران من حليف رئيسٍ في المنطقة.
آفاق المفاوضات
على الرغم من التحديات، أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس عن تفاؤلها يوم الخميس، قائلة إن الولايات المتحدة "واثقة من نجاح المحادثات" وتحقيق هدف وقف التخصيب. وأضافت: "الإيرانيون موجودون على طاولة المفاوضات، وهم يدركون موقفنا، ويواصلون الحضور".
ومن بين الأفكار المطروحة لتجاوز الخلاف حول التخصيب، اقتراح إنشاء كونسورتيوم إقليمي بدعم من دول المنطقة والولايات المتحدة لتوفير اليورانيوم منخفض التخصيب لأغراض سلمية.
كما تقدم دول عدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية عروضًا لتوفير اليورانيوم منخفض التخصيب، لكن إيران ترفض حتى الآن أي حل يتطلب وقف التخصيب داخل حدودها.