حكومة جديدة في الأفق الليبي.. وخريطة طريق محفوفة بالعراقيل
حكومة جديدة في الأفق الليبي.. وخريطة طريق محفوفة بالعراقيل

وسط المشهد الليبي المعقّد والمثقل بالتجاذبات السياسية والانقسامات الجغرافية، بدأت تلوح في الأفق محاولة جديدة لإعادة ترتيب السلطة التنفيذية، لقاء جمع رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، أثار موجة من التكهنات حول إمكانية التوصل إلى تسوية تؤدي إلى تشكيل حكومة موحدة جديدة، تكون مقدمة لانتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها، في الوقت الذي تتمسك فيه حكومة عبد الحميد الدبيبة بشرعيتها وتلقى دعمًا غربيًا، تتحرك قوى الشرق في مسار موازٍ، مدفوعة برغبة معلنة في إنهاء المرحلة الانتقالية، لكن هذه المحاولة ليست الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، في بلد اعتاد الانتقال من مبادرة إلى أخرى دون اختراق جوهري لجدار الجمود السياسي. فهل تنجح هذه الجهود في خلق مسار مشترك، أم أن الخلافات العميقة ستعيد إنتاج الحلقة المفرغة من الانقسام والصراع؟
*خريطة طريق واضحة*
عادت ديناميكية الحراك السياسي الليبي إلى الواجهة من جديد مع اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، لمناقشة الخطوات العملية نحو تشكيل حكومة جديدة.
وبحسب بيان البرلمان، فإن الطرفين بحثا "خريطة طريق واضحة" لتوحيد السلطة التنفيذية تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة.
اللقاء، الذي تم في العاصمة المصرية القاهرة -بحسب تقارير إعلامية ليبية-، يأتي في وقت يشهد فيه المشهد الليبي حالة من الركود السياسي وتآكل ثقة الشارع بمؤسساته.
التحرك الجديد لا يخلو من التحديات، وأبرزها بقاء عبد الحميد الدبيبة في رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، التي ما تزال تحظى باعتراف المجتمع الدولي والأمم المتحدة. الدبيبة، المدعوم من قوى سياسية وعسكرية في غرب ليبيا، لم يبد أي تجاوب مع محاولات البرلمان لتشكيل سلطة بديلة، بل تجاهل تمامًا تحركات المجلس النيابي وتشكيل لجنة لاستقبال ملفات المرشحين وتقييم برامجهم.
*المبادرة بين الداخل والخارج*
التحركات البرلمانية ليست وليدة اللحظة، بل تأتي امتدادًا لموجة انتقادات متزايدة لأداء حكومة الدبيبة، خاصة في ملفات الإنفاق العام والفساد وتدهور الخدمات.
لكن غياب توافق دولي حول استبداله، يجعل من أي حكومة جديدة - إن تشكلت- أقرب إلى كيان غير معترف به دوليًا.
وهذا ما حذرت منه المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، التي أكدت أن "أي مبادرة بشأن تشكيل حكومة يجب ألا تكون أحادية"، في إشارة واضحة إلى تحفظ الأمم المتحدة على محاولات البرلمان تجاوز الدبيبة دون توافق وطني شامل.
ويفسر مراقبون هذا الموقف الأممي بأنه انعكاس لخشية المجتمع الدولي من العودة إلى الانقسام المزدوج الذي سبق حكومة الوحدة، حين تنازعت حكومتان السلطة بين الشرق والغرب؛ ما أسفر عن شلل مؤسساتي وانهيار اقتصادي.
وفي ظل هذا السياق، فإن مبادرة عقيلة صالح وخالد المشري تبدو وكأنها اختبار حقيقي لقدرة الفاعلين الليبيين على تجاوز الحسابات المناطقية والانخراط في مسار سياسي جامع.
*المعضلة الكبرى: الانتخابات المؤجلة*
أحد أهم دوافع هذه المبادرة هو السعي لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة. فقد تم تأجيل الانتخابات مرارًا بسبب الخلافات حول القوانين الانتخابية، وأسماء المرشحين، وشروط الترشح للرئاسة.
وفي ظل غياب إطار دستوري موحد، تبقى الانتخابات حبرًا على ورق. ويرى كثيرون أن تشكيل حكومة جديدة لن يغير الواقع ما لم يُرفق بتسوية دستورية وقانونية تؤمن توافقًا فعليًا على القواعد المنظمة للاستحقاق.
وبينما ما تزال الجهود الأممية تدور في حلقة المشاورات، يراهن رئيسا البرلمان ومجلس الدولة على أن توحيد السلطة التنفيذية سيخلق زخمًا يدفع الأطراف نحو الانتخابات.
غير أن هذا الرهان مشروط بقبول الدبيبة، أو على الأقل تراجع الدعم المحلي والدولي له، وهو أمر لم تظهر بوادره حتى الآن.