بين الوعود والخيبات.. لماذا يتعثر السلام في أوكرانيا رغم الحراك الدبلوماسي؟

بين الوعود والخيبات.. لماذا يتعثر السلام في أوكرانيا رغم الحراك الدبلوماسي؟

بين الوعود والخيبات.. لماذا يتعثر السلام في أوكرانيا رغم الحراك الدبلوماسي؟
الحرب الروسية الأوكرانية

أربعة أعوام من حرب مدمرة جعلت من أوكرانيا ساحة اختبار لإرادات القوى الكبرى، بين واشنطن وموسكو وأوروبا، ومع انعقاد قمة ألاسكا بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، ثم اجتماعات واشنطن التي جمعت قادة غربيين بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بدا وكأن عجلة الدبلوماسية استعادت بعض الزخم، لكن ما يطفو على السطح ليس سوى صورة رمزية لمعركة أعمق، حيث تتقاطع المصالح الاستراتيجية مع رهانات الداخل السياسي الأميركي والروسي، فيما يبقى الأوكرانيون عالقين بين الأمل والخذلان، قمة ألاسكا طرحت أسئلة أكثر مما أجابت، بينما أفرزت اجتماعات واشنطن أجواء إيجابية بدت وكأنها تمنح كييف متنفسًا دبلوماسيًا، إلا أن الطريق إلى سلام شامل لا يزال بعيدًا، رهينًا بتوازنات دقيقة وشروط متناقضة. وبين الضمانات الأمنية، ومطالب بوتين الصارمة، وحذر الأوروبيين من تنازلات استراتيجية، يبقى مستقبل الحرب مفتوحًا على سيناريوهات متعددة، جميعها يحمل في طياته ثمنًا باهظًا.


قمة ألاسكا.. بداية غير مكتملة


حين التقى ترامب وبوتين في ألاسكا منتصف أغسطس، كان الرهان الأمريكي منصبًا على إقناع موسكو بوقف العمليات العسكرية وفتح مسار تفاوضي مع كييف.


اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات خرج بخلاصات غامضة، بوتين تحدث عن "مبادلة أراضٍ"، مصرًّا على تنازل أوكرانيا عن دونباس مقابل تجميد الوضع القائم في بقية الجبهات، مع وعود بعدم التمدد عسكريًا نحو دول أوروبية أخرى.


لكن هذا الطرح لم يجد صدى إيجابيًا في واشنطن ولا في كييف.
بالنسبة لزيلينسكي، أي تنازل عن الأراضي يُعادل "مكافأة المعتدي"، أما ترامب فخرج بتصريحات مربكة؛ مرة يلمّح إلى قمة ثلاثية محتملة، ومرة يصف بوتين وزيلينسكي بـ"الزيت والماء"، في إشارة إلى استحالة التوافق بينهما، بحسب واشنطن بوست.


اجتماعات واشنطن.. أمل متجدد ولكن حذر


بعد أيام فقط، شهدت العاصمة الأميركية اجتماعات موسعة شارك فيها قادة أوروبيون وأمين عام الناتو مارك روته إلى جانب ترامب وزيلينسكي، الأجواء بدت أكثر إيجابية، الأوروبيون رحبوا بانفتاح واشنطن على فكرة توفير ضمانات أمنية لكييف، فيما وصف زيلينسكي القمة بأنها "الأفضل على الإطلاق"، وفقًا لرويترز. 


لكن هذه الإيجابية لم تخفِ حقيقة الخلافات الجوهرية، واشنطن استبعدت نشر قوات على الأرض، فيما شدد الأوروبيون على ضرورة بقاء العقوبات ضد موسكو حتى انسحابها الكامل. أما روته فحاول أن يوازن، مؤكدًا أن ضمانات أمنية شبيهة بالمادة الخامسة من ميثاق الناتو قيد البحث، لكنها لن ترقى إلى عضوية كاملة.


الضمانات الأمنية.. بين الشكوك الروسية والرهانات الغربية
الملف الأكثر إلحاحًا كان الضمانات الأمنية لأوكرانيا، كييف تُطالب بوجود قوات أجنبية على أراضيها كضمانة حقيقية، في حين ترى موسكو أن أي نقاش يجري بدونها "طريق إلى المجهول". الكرملين، الذي استند إلى تجربة مذكرة بودابست 1994 المنتهكة منذ ضم القرم، يرفض فكرة أن يحصل جاره الغربي على حماية غربية فعلية بينما يُواصل السعي لإبقاء أوكرانيا خارج الناتو.


هذا التباين جعل الملف يتحول إلى معركة كسر عظم، واشنطن تحاول تقديم التزامات لا تغضب موسكو كثيرًا، والأوروبيون يريدون تطمينات واضحة تمنع تكرار مشهد الغزو، فيما يصر زيلينسكي على أن أي اتفاق سلام بلا ضمانات عسكرية هو مجرد "هدنة مؤقتة".


الموقف الأوروبي.. قلق من تهميش الدور


رغم وحدة الخطاب الأوروبي، يظل القلق حاضرًا من أن تتحول المفاوضات إلى تفاهم أمريكي–روسي على حساب مصالح القارة، باريس شددت على بناء "جيش أوكراني قوي"، فيما رفضت برلين بشكل قاطع أي مقترحات لتنازل كييف عن دونباس.


هلسنكي حذرت من أن بوتين قد يستخدم المحادثات لكسب الوقت، بينما أكدت بروكسل أن الاتحاد الأوروبي يقف "كحليف وصديق" يربط أي رفع للعقوبات بخطوات روسية ملموسة نحو السلام.


معضلة ترامب.. بين الداخل الأمريكي وحسابات موسكو


تصريحات ترامب المتناقضة تعكس أيضًا حساباته الداخلية، الرئيس الأميركي يدرك أن أي تنازل روسي قد يُسجل له كإنجاز، لكنه يخشى أن يُتهم بالتساهل مع بوتين.


إعلانه قرب اتخاذ "قرار مهم" خلال أسبوعين يظل مرهونًا بما إذا كان سيعتمد خيار العقوبات المشددة أم يفتح الباب أمام صفقة دبلوماسية غامضة.


زيلينسكي بين الأمل والخذلان


في المقابل، يبدو زيلينسكي محاصرًا. هو بحاجة ماسة لدعم الغرب عسكريًا وماليًا، لكنه يدرك أن حلفاءه قد لا يذهبون بعيدًا في مواجهة موسكو. خطابه في واشنطن عكس هذه المعضلة حين أكد أن هدفه "سلام دائم" يحمي بلاده من غزو جديد، محذرًا من "مكافأة روسيا" إذا فُرض عليه التنازل.

مستقبل الحرب.. سيناريوهات مفتوحة


الطريق إلى سلام شامل يبدو بعيدًا، لكنه ليس مستحيلًا.

الاحتمالات تراوح بين هدنة مؤقتة تُجمّد خطوط القتال الحالية مقابل ضمانات غربية، أو صفقة أراضٍ تُلبي بعض مطالب موسكو وتُرضي الغرب بوقف إطلاق النار، أو أخيرًا تصعيد جديد إذا فشلت المفاوضات، خصوصًا أن الجيشين الروسي والأوكراني لا يزالان في وضعية استنزاف، في جميع الحالات، ستبقى أوكرانيا محور شد وجذب بين القوى الكبرى، فيما يدفع شعبها الثمن الأكبر من الدم والتهجير.


إدارة أزمة


من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن ما يجري على الساحة الأوكرانية بعد قمتي ألاسكا وواشنطن لا يمكن اعتباره تقدمًا حقيقيًا نحو تسوية، بل هو أقرب إلى "إدارة أزمة" أكثر منه "حل أزمة". ويُشير إلى أن التباين بين الأطراف لا يتعلق فقط بالملفات الأمنية أو الجغرافية، بل يرتبط أيضًا بحسابات استراتيجية بعيدة المدى لكل طرف.


ويُضيف فهمي - في حديثه لـ"العرب مباشر"- أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى إلى تسجيل إنجاز سياسي يُمكن أن ينعكس على وضعه الداخلي، لكنه في الوقت نفسه لا يريد الدخول في مواجهة مفتوحة مع موسكو قد تكلّفه الكثير على مستوى الأمن الأوروبي أو الاستقرار العالمي.


أما الرئيس بوتين، فهو يُدرك أن الوقت في صالحه، إذ يراهن على إنهاك أوكرانيا واستنزاف الدعم الغربي تدريجيًا، ما قد يفتح الباب أمام فرض تسوية بشروط روسية.


أما بالنسبة لأوروبا، فيُؤكد فهمي أنها الطرف الأكثر قلقًا من أي صفقات ثنائية أمريكية–روسية، لأنها ستجعل القارة تدفع ثمن أي تنازل في توازنات الأمن الإقليمي، لذلك، تتمسك باريس وبرلين وبروكسل بمسألة الضمانات الأمنية كخط أحمر لا يمكن تجاوزه.


ويخلص د. فهمي إلى أن السلام في أوكرانيا لن يتحقق في المدى القريب، لأن أي اتفاق يقتضي تنازلات جوهرية، بينما لا يملك أي طرف الاستعداد السياسي أو الشعبي لتقديمها الآن.