سعيًا لنزع سلاح حزب الله.. واشنطن تلوح بالسلام وتهدد بالعزل فهل تستجيب بيروت؟
سعيًا لنزع سلاح حزب الله.. واشنطن تلوح بالسلام وتهدد بالعزل فهل تستجيب بيروت؟

بين خطوط التهدئة الهشة وتصاعد التحركات الدبلوماسية، عاد ملف نزع سلاح حزب الله إلى واجهة المشهد اللبناني، مدفوعًا بضغط أميركي متجدد، زيارة المبعوث الأميركي توماس باراك إلى بيروت لم تكن مجرّد محطة بروتوكولية، بل بدت وكأنها اختبار جديد لمدى استعداد لبنان للانخراط في مقايضة سياسية حسّاسة: تفكيك الجناح المسلح لحزب الله مقابل وعود بانسحاب إسرائيلي من الجنوب ووقف الضربات الجوية، لكن التصريحات الودية للمبعوث الأميركي، التي أبدى خلالها "رضاه العميق" عن الرد اللبناني، تُخفي وراءها شبكة معقّدة من التوازنات الإقليمية والمحلية، فبينما ترى واشنطن في هذه الخطوة بداية "لخطة سلام مستدامة"، تواجه بيروت ضغوطًا متقابلة: من جهة مطالب داخلية بالحفاظ على قوة الردع، ومن جهة أخرى تهديدات دولية بعزل لبنان إن لم يتحرك بما يتماشى مع "التغييرات الإقليمية". فهل يمضي لبنان قدمًا في خريطة الطريق الأميركية، أم أن حسابات الداخل ستعيد خلط الأوراق مجددًا؟
*خطة نزع السلاح*
في أجواء تظلّلها طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، وفي ظلّ وقف إطلاق نار لم يعد صامدًا إلا شكليًا، وصل المبعوث الأميركي الخاص توماس باراك إلى بيروت حاملاً إشارات رضا غير معتادة من واشنطن، باراك، الذي سلّم في يونيو الماضي خطة مفصلة لنزع سلاح حزب الله، تلقّى خلال زيارته الأخيرة ردًا رسميًا من سبع صفحات وصفه بـ"الرائع والمدروس".
الرد اللبناني، الذي تم إعداده في ظرف زمني قصير نسبياً، بحسب المسؤول الأميركي، لم يحمل قبولًا صريحًا بالخطة، لكنه قدّم إطارًا تفاوضيًا يتضمن اشتراطات لبنانية واضحة، أبرزها انسحاب إسرائيل من الأراضي المتبقية في الجنوب، ووقف هجماتها المتكررة، وفتح ملف الأسرى والإعمار.
باراك، في تصريحاته الصحفية بعد لقائه بالرئيس اللبناني جوزاف عون، شدّد على أهمية الحوار، معتبرًا أن حزب الله "يحتاج إلى أن يرى مستقبلًا مشتركًا في مسار السلام والازدهار"، في محاولة لتقديم خطة نزع السلاح باعتبارها لا تستهدفه بل تمهّد لـ"اندماجه السياسي".
*التوقيت.. واختبار النوايا*
تأتي هذه التطورات بعد أشهر من سريان اتفاق هش لوقف إطلاق النار، دخل حيز التنفيذ في نوفمبر الماضي، لكنه لم ينجح في تهدئة التوترات فعليًا، فلا يكاد يمر أسبوع دون أن تسجَّل غارات إسرائيلية على مواقع يُعتقد أنها تابعة لحزب الله، وآخرها كان في دير كيفا وبيت ليف حيث أعلنت تل أبيب مقتل قائد في "قوة الرضوان" وناشط آخر في الحزب.
في المقابل، ترى بيروت أن إسرائيل لم تلتزم فعليًا بمندرجات وقف إطلاق النار، حيث أبقت قواتها في خمس تلال استراتيجية، وتواصل عملياتها الجوية جنوب الليطاني. الحكومة اللبنانية، وفق مصادر رسمية، تحاول تفكيك البنية التحتية لحزب الله في تلك المناطق، ضمن مسار تفاوضي داخلي مع الحزب نفسه الذي لا يزال يحتفظ بهامش سياسي وأمني كبير.
*خطة واشنطن بين الجزرة والعصا*
الخطة الأميركية المطروحة تنص على نزع سلاح حزب الله بشكل كامل خلال فترة لا تتجاوز أربعة أشهر، على أن تقابل هذه الخطوة بانسحاب إسرائيلي تدريجي من الجنوب، ووقف الضربات العسكرية، وبدء شراكة اقتصادية وأمنية مع لبنان.
لكن المبعوث باراك كان واضحًا حين قال إن "المنطقة تتحرّك بسرعة هائلة، ولبنان قد يتخلف عن الركب إن لم يواكب التحولات"، ولفت إلى أن حوارات سرية بدأت بين سوريا وإسرائيل، في إشارة إلى أن بيروت قد تجد نفسها معزولة إن لم تنخرط في المسار ذاته.
رسالة واشنطن تبدو مزدوجة: إما أن يكون لبنان "لؤلؤة المتوسط" كما وصفه باراك، أو يظل رهينة التوتر والتهميش.
وبين هذه الرسالة وتاريخ طويل من التعقيدات، تدور حسابات الداخل اللبناني، الذي يدرك صعوبة تفكيك بنية حزب الله المسلحة دون توافق داخلي شامل، وغطاء إقليمي لا يبدو متوفّرًا بعد.
*موقف حزب الله.. صدامي محسوب*
في هذا السياق، أعلن نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم موقفًا صارمًا ردًّا على المقترحات، مؤكدًا أن "التهديدات لن تدفع الحزب إلى الاستسلام"، ومطالبًا أولًا بانسحاب إسرائيلي شامل، ووقف الانتهاكات الجوية، وبدء إعمار المناطق المتضررة.
قاسم وضع السقف العالي للتفاوض، ما يعني أن أي تفاهم محتمل لا يزال بعيد المنال دون ضمانات متبادلة.
مراقبون أكدوا أن المشهد لا يعكس لحظة انفراج، بل محطة اختبار، المبعوث الأميركي قد يكون "راضيًا" مبدئيًا، لكنّ الطريق إلى نزع سلاح حزب الله يمرّ عبر ألغام إقليمية، وحقول ألغام داخلية أكثر تعقيدًا.
من جانبه، يقول د. محمد الرز المحلل السياسي اللبناني، إن تصريحات المبعوث الأميركي توماس باراك تعكس تحوّلًا استراتيجيًا في سياسة واشنطن تجاه لبنان، تقوم على تقديم عروض مشروطة تتضمن محفزات سياسية واقتصادية مقابل إجراءات أمنية ملموسة، وفي مقدمتها نزع سلاح حزب الله.
ووفق الرز، فإن واشنطن تراهن على تحولات إقليمية أوسع، أبرزها التهدئة بين السعودية وإيران، والانفتاح الجزئي بين سوريا وإسرائيل، ما يضع لبنان تحت ضغط "الإلتحاق بالركب أو التعثر السياسي".
ويضيف الرز في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن لبنان أمام معادلة صعبة: فهو من جهة يحتاج دعمًا دوليًا للخروج من أزماته الاقتصادية والمؤسساتية، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع فرض قرار استراتيجي كبير كإزالة سلاح حزب الله دون توافق داخلي متين، يشمل الحزب نفسه.
ويرى، أن واشنطن تحاول استثمار لحظة التهدئة النسبية، لكنّ الملف ما يزال مفتوحًا على احتمالات عديدة، منها التصعيد في حال تعثّرت التفاهمات، أو الاتفاق المرحلي القائم على خطوات متبادلة.