تسلل ناعم وأجندة صلبة.. الإخوان يعيدون تموضعهم في الغرب

تسلل ناعم وأجندة صلبة.. الإخوان يعيدون تموضعهم في الغرب

تسلل ناعم وأجندة صلبة.. الإخوان يعيدون تموضعهم في الغرب
اوروبا

تشهد القارة الأوروبية في السنوات الأخيرة تحولات مقلقة في حضور جماعة الإخوان المسلمين، التي باتت تعتمد أسلوبًا ناعمًا في التمدد داخل المجتمعات الغربية. 

هذا الحضور لم يعد مرئيًا عبر الشعارات أو الخطابات المباشرة، بل من خلال مؤسسات قانونية، جمعيات ثقافية، مراكز دينية، وشبكات ضغط تمارس نفوذها في صمت، تحت مظلة الحريات والديمقراطية.

في فرنسا، التي عرفت تاريخيًا بمقاربتها الصارمة تجاه الإسلام السياسي، باتت في مرمى التحذيرات من تكرار النموذج البريطاني، الذي تحوّلت فيه الجماعة إلى شبكة مؤسسية قائمة بذاتها، تدير أعمالها في وضح النهار، لكنها تدفع نحو أجندات موازية لمرتكزات المواطنة والاندماج.

بريطانيا.. رأس الحربة الأوروبية

باتت بريطانيا تمثل نقطة الانطلاق المركزية للجماعة داخل أوروبا، بعد أن وفرت لها خلال العقود الماضية بيئة قانونية آمنة، تغاضت عن تعقيدات التمويل والارتباطات الخارجية، وسمحت بتغلغل واسع داخل البنى المجتمعية والدينية.

تشير تقارير أوروبية إلى أن الجماعة استطاعت هناك إحكام السيطرة على عددٍ من المدارس والمراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية، مستفيدة من قوانين الحريات الدينية، ومتسلحة بخطاب يتماهى مع حقوق الأقليات، لكنه يعمل في جوهره على إعادة تشكيل الوعي الجمعي بطريقة انتقائية.

هذا النموذج القائم في بريطانيا بات اليوم يستنسخ تدريجيًا في دول أخرى، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، في ظل غياب إطار قانوني أوروبي موحد لتصنيف الجماعة أو متابعة أنشطتها.

ألمانيا.. الجذور العميقة لشبكة معقدة

في ألمانيا، تمتلك جماعة الإخوان حضورًا تاريخيًا متجذرًا منذ خمسينيات القرن الماضي، حين تم تأسيس المركز الإسلامي في ميونخ، والذي أصبح لاحقًا نواة لمنظمة المجتمع الإسلامي، المعروفة حاليًا باسم "الجالية المسلمة الألمانية".

وبحسب تقارير هيئة حماية الدستور الألمانية، فإن المنظمة تمثل الواجهة الأبرز للإخوان في البلاد، وهي على ارتباط عضوي مع عشرات المراكز والمساجد المنتشرة في مختلف الولايات. 

وتكشف هذه التقارير عن وجود أكثر من 1450 عنصرًا فعّالًا داخل الشبكة المرتبطة بالإخوان، بزيادة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة.

الهيكل التنظيمي للجماعة في ألمانيا قائم على شبكة من المؤسسات المتداخلة، يصعب معها تتبع مصادر التمويل أو طبيعة القيادة، وتتحرك الجماعة ضمن إطار قانوني، ما يمنحها شرعية ظاهرية، بينما تسعى وفق تقارير أمنية إلى تغيير تدريجي في بنية النظام الاجتماعي والسياسي.

فرنسا.. التحذير من الانزلاق

في فرنسا، تزداد المخاوف من أن يتكرر النموذج البريطاني، حيث تظهر الجماعة قدرة على التكيّف مع السياقات القانونية والثقافية، مستغلة خطاب الضحية والطائفية لإعادة بناء نفوذها.

 وتخشى النخب الفكرية الفرنسية من تحوّل الجمعيات الدينية والثقافية إلى أدوات لبث أفكار متطرفة تحت غطاء معتدل.

في تطور نوعي، بدأت بعض الولايات الألمانية، وعلى رأسها ولاية بافاريا، اتخاذ خطوات قانونية نحو تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة متطرفة؛ مما سيمنعها من التغلغل في المؤسسات العامة كالمدارس والهيئات الحكومية. 

وتشير التقديرات، أن هذا المسار قد يتوسع لاحقًا ليشمل مستويات اتحادية وأوروبية، خاصة في ظل تصاعد التهديدات المرتبطة بالاندماج والهوية.

ويؤكد مراقبون، أن هذا التصنيف رغم تأخره يمثل خطوة حاسمة في مواجهة تمدد الجماعة، وتحجيم نفوذها داخل المؤسسات الرسمية والمجتمعية.

ويرى الباحث السياسي والخبير في شؤون الجماعات الإرهابية مصطفي حمزة، أن جماعة الإخوان الإرهابية نجحت في توظيف مناخ الحريات الأوروبي لبناء نفوذ موازي للدولة داخل الجاليات المسلمة، متخفية تحت شعارات الاندماج والتعددية، لكنها في الواقع تعمل وفق أجندة صلبة تستهدف تفكيك المفاهيم المدنية للهوية والمواطنة.

ويضيف حمزة - في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر"-، إن الجماعة لا تستخدم العنف المباشر، لكنها تزرع مفاهيم تعارض قيم الديمقراطية بشكل تدريجي، وهذا ما يجعلها أكثر خطورة من التنظيمات المتطرفة الصريحة، لأن ضررها يحدث من الداخل وببطء. 

بينما يؤكد في السياق نفسه، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية طارق البشبيشي، أن المؤسسات المرتبطة بالإخوان تعمل بشكل أفقي وعضوي، وغالبًا ما يتم تدوير الوجوه القيادية بين المساجد والجمعيات والمراكز الثقافية، ما يصعب عملية الرصد والمساءلة القانونية.

ويضيف البشبيشي - في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر"-، بأن ما تشهده بريطانيا من تغلغل للجماعة بدأ يتكرر اليوم في فرنسا وألمانيا، خاصة مع غياب تعريف قانوني موحد داخل الاتحاد الأوروبي لجماعة الإخوان؛ مما يسمح لها بالتحرك بحرية تحت غطاء الشرعية المدنية".