حلم الهجرة ينتهي في حفرة.. مقابر جماعية في ليبيا تكتب نهاية محاولات الهروب
حلم الهجرة ينتهي في حفرة.. مقابر جماعية في ليبيا تكتب نهاية محاولات الهروب

في مشهد مرعب يكشف عن واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية، استيقظ الليبيون - خلال الأيام الماضية- على أخبار متتالية حول العثور على مقابر جماعية في جنوب شرق البلاد، تضم جثث مهاجرين غير نظاميين قضوا على أيدي عصابات الاتجار بالبشر.
الواقعة التي بدأت باستغاثة مجموعة من الفتيات والصبية الذين نجوا بأعجوبة، سلطت الضوء على الجرائم التي ترتكب في الظل ضد المهاجرين الباحثين عن الأمان والفرص.
تحقيقات النيابة العامة أكدت وجود تشكيلات إجرامية تحتجز المهاجرين قسرًا، وتعذبهم بغية ابتزاز ذويهم، وحينما تفشل في الحصول على المال، تلجأ إلى تصفيتهم بوحشية، ومع تصاعد الأدلة حول تورط بعض العناصر الأمنية في عمليات تهريب المهاجرين، تبرز أسئلة ملحّة حول مدى قدرة السلطات على مواجهة هذه الانتهاكات، وسط تعقيدات المشهد الليبي وانهيار المؤسسات الرسمية أمام سطوة الميليشيات والجماعات المسلحة.
جرائم منظمة تكشفها المصادفة
بدأت خيوط المأساة تتكشف عندما تمكنت مجموعة من المهاجرين من الفرار من قبضة عصابة متخصصة في الاتجار بالبشر، حيث أوقفوا المارة وأرشدوهم إلى مقبرة جماعية في منطقة نائية جنوب شرقي ليبيا.
ومع انتشار الخبر، سارعت الأجهزة الأمنية إلى الموقع، ليتم الكشف عن مقبرة تحوي 74 جثة، تمكنت الفرق المختصة حتى الآن من استخراج 30 منها.
الواقعة المروعة تزامنت مع إعلان السلطات العثور على 19 جثة أخرى في ثلاث مقابر جماعية بمنطقة إجخرة، حيث يهيمن تجار البشر على طرق التهريب هناك.
لم تكن هذه الجرائم سوى جزء من ظاهرة مستمرة، إذ سبق أن تم العثور في مارس الماضي على مقبرة جماعية ضمت 65 جثة لمهاجرين في منطقة الشويرف، التي تعد من أهم نقاط تهريب البشر جنوب غربي ليبيا.
تفاصيل صادمة وتحقيقات موسعة
أظهرت التحقيقات الأولية، أن العصابات المتورطة تحتجز المهاجرين لفترات طويلة في أماكن معزولة، حيث يتعرضون للتعذيب والابتزاز.
وبحسب مكتب النائب العام الليبي، فإن التشكيل الإجرامي المسؤول عن مقبرة الكفرة تعمّد احتجاز العشرات وإجبارهم على دفع فدية مالية، قبل أن ينتهي بهم المطاف قتلى في حفر جماعية.
المحققون الذين عاينوا الموقع استعانوا بخبراء الطب الشرعي، وأكدت التحاليل أن الضحايا تعرضوا لسوء تغذية وتعذيب ممنهج قبل مقتلهم.
في المقابل، تمكنت الأجهزة الأمنية من تحرير 76 مهاجرًا كانوا على وشك مواجهة المصير ذاته. وألقت السلطات القبض على ثلاثة أشخاص، بينهم ليبي وأجنبيان، يجري التحقيق معهم للكشف عن امتدادات الشبكة الإجرامية.
تورط عناصر أمنية يثير القلق
في تطور خطير، كشفت النيابة العامة عن أدلة تفيد بتورط بعض عناصر الأمن في عمليات تهريب المهاجرين عبر البحر.
وأكدت التحقيقات، أن أفرادًا من خفر السواحل الليبي خططوا لنقل 37 مهاجرًا عبر قارب إلى أوروبا، وحينما حاولت الأجهزة الأمنية اعتراضهم، أطلقوا النار على أفراد المباحث الجنائية.
وأدى الاشتباك إلى إصابة أحد عناصر الأمن، فيما جرى اعتقال أربعة متهمين وإحالتهم إلى التحقيق، وسط توجيهات بملاحقة المتورطين من الأجهزة العسكرية والأمنية.
التقارير الحقوقية تشير أن العديد من المهاجرين يتم استغلالهم من قبل أفراد في مؤسسات رسمية، سواء عبر دفع رشاوى لتسهيل مرورهم أو عبر التعاون مع العصابات الإجرامية.
بوابة الموت نحو أوروبا
ليبيا، التي تعاني من الفوضى الأمنية منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011، أصبحت نقطة عبور رئيسية للمهاجرين الفارين من النزاعات والفقر في إفريقيا، بحثًا عن حياة أفضل في أوروبا.
ورغم الجهود المتكررة لوقف هذه التدفقات، إلا أن غياب الاستقرار ووجود شبكات تهريب مترامية الأطراف يجعل من الصعب السيطرة على الظاهرة.
في الأشهر الأخيرة، تمكنت السلطات الليبية من إحباط العديد من محاولات تهريب المهاجرين، لكن البحر المتوسط ما يزال شاهدًا على المآسي، إذ تواصل قوارب الهجرة غير النظامية الغرق، مخلفة آلاف الضحايا سنويًا.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة، لقي أكثر من 3000 مهاجر مصرعهم خلال محاولتهم العبور إلى أوروبا العام الماضي، فيما تواصل المنظمات الإنسانية توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء في مراكز الاحتجاز الليبية، والتي توصف بأنها "أماكن غير آدمية" تشهد انتهاكات جسدية ونفسية خطيرة.
جهود لإنهاء الكارثة الإنسانية
في محاولة لمواجهة هذه الأزمة، أطلقت السلطات الليبية، بالتعاون مع الأمم المتحدة، برنامج "العودة الطوعية"، الذي يهدف إلى إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم الأصلية.
وفي هذا السياق، أعلن جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة عن ترحيل 161 مهاجرًا من الصومال وإثيوبيا وإريتريا ونيجيريا، إضافة إلى 190 مهاجرًا مصريًا تم نقلهم إلى بلادهم عبر منفذ أمساعد البري.
لكن هذه الجهود تصطدم بواقع معقد، حيث ما زالت ليبيا تمثل أرضًا خصبة لنشاط شبكات التهريب، التي تستغل حالة عدم الاستقرار لتحقيق مكاسب طائلة.
فشل المجتمع الدولي
من جانبه، يقول د. شحاتة صيام، أستاذ علم الاجتماع السياسي: إن مأساة المهاجرين في ليبيا تعكس فشل المجتمع الدولي في إيجاد حلول مستدامة لظاهرة الاتجار بالبشر، مؤكدًا أن "الأوضاع المتدهورة في ليبيا، واستمرار غياب الدولة المركزية، يتيحان المجال أمام عصابات التهريب لاستغلال المهاجرين بلا أي رادع.
وأوضح صيام في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الحل لا يكمن فقط في ملاحقة المهربين، بل في خلق بدائل قانونية للهجرة، وتعزيز التعاون بين الدول المصدّرة والمستقبلة للمهاجرين، فضلًا عن دعم الاستقرار في ليبيا لضبط الحدود وإنهاء الفوضى الأمنية التي تسهّل هذه الجرائم.