التقارب بين الخرطوم وطهران.. تعاونٌ عسكري أم تمهيدٌ لصراع إقليمي؟
التقارب بين الخرطوم وطهران.. تعاونٌ عسكري أم تمهيدٌ لصراع إقليمي؟

يثير التقارب المتزايد بين السودان وإيران تساؤلات عدة حول تداعياته المحتملة على الأمن الإقليمي والدولي، فبينما تسعى الخرطوم إلى تنويع تحالفاتها الاستراتيجية وسط أزمات داخلية متفاقمة، يفتح هذا التقارب الباب أمام مخاوف متصاعدة من أن يصبح السودان محطة نفوذ إيراني جديدة في إفريقيا.
التحذيرات الدولية تتوالى، وسط تقديرات ترى في هذا التحالف احتمالًا لتوسيع رقعة الصراعات وتسليح الميليشيات، وهو ما قد يعيد تشكيل خريطة التوترات في المنطقة. فهل يستفيد السودان من هذا التقارب، أم أنه مقدمة لمخاطر أكبر قد تضع البلاد في مواجهة حسابات إقليمية ودولية معقدة؟
*تحوّل السودان إلى محور نفوذ إيراني*
يشير محللون أن التقارب السوداني مع إيران قد يجعل الخرطوم ساحة جديدة لتوسيع النفوذ الإيراني في إفريقيا، وهو ما يثير قلقًا واسعًا لدى القوى الإقليمية والدولية، إذ من المحتمل أن تستخدم طهران السودان كنقطة انطلاق لتعزيز وجودها العسكري والاستخباراتي، سواء عبر تقديم الدعم التقني والعسكري، من خلال فتح قنوات اتصال مع الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الحكومات المركزية في المنطقة.
وبحسب تقارير استخباراتية، فإن إيران تعتمد على استراتيجيات طويلة المدى لاختراق دول ذات أنظمة سياسية غير مستقرة، مما يسهل عليها تعزيز نفوذها دون تكلفة سياسية كبيرة، وفقًا لـ"معهد دراسة الحرب الامريكي".
وحذر تقرير للمعهد في حالة إذا ثبت أن الخرطوم تتجه إلى توفير بيئة حاضنة لهذه الأنشطة، فإن ذلك قد يؤدي إلى تداعيات تتجاوز الحدود السودانية، لتشمل القرن الإفريقي وأجزاء أخرى من القارة.
*تهريب الأسلحة.. التهديد الأخطر*
أحد أبرز المخاوف الناشئة عن التقارب بين الخرطوم وطهران يتمثل في احتمال تحوّل السودان إلى ممر جديد لتهريب الأسلحة، وهو ما قد يفاقم الصراعات المسلحة في إفريقيا.
فإيران، التي تواجه عقوبات دولية وتحديات في تصدير أسلحتها عبر القنوات التقليدية، قد تسعى لاستغلال السودان كقاعدة لنقل الأسلحة إلى جماعات مسلحة في ليبيا، الصومال، وربما مناطق أخرى في مناطق آخرى في غرب إفريقيا.
وكانت تقارير دولية لوكالة "بلومبرغ"، أظهرت نقلاً عن مسؤولين غربيين، أن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات مقاتلة من دون طيار (مسّيرات) من نوع (مهاجر 6)، مؤهلة لمهام الرصد ونقل المتفجرات.
ويحذر خبراء من أن مثل هذا السيناريو قد يضع السودان في مواجهة مباشرة مع القوى الدولية، خصوصًا الولايات المتحدة ودول الخليج، التي تراقب عن كثب أي تحركات إيرانية تهدد استقرار المنطقة، كما أن انخراط السودان في هذه المعادلة قد يزيد من عزلته الدولية، ويؤدي إلى فرض عقوبات إضافية تعيق جهود الخرطوم في استعادة الاستقرار الاقتصادي.
*المخاطر السياسية والدبلوماسية*
من جانبه، يقول المحلل السياسي أشرف عبد العزيز: إن على الصعيد السياسي، فإن التقارب مع إيران قد يعرّض السودان لمعادلات إقليمية معقدة، لا سيما في ظل تزايد حدة الاستقطاب بين المحاور الإقليمية، مضيفًا أن في الوقت الذي تسعى فيه دول مثل السعودية والإمارات لتعزيز نفوذها في إفريقيا، فإن أي تحرك سوداني نحو إيران قد يُفسَّر على أنه انحياز لمحور مناهض لهذه الدول، ما قد يؤدي إلى تراجع الدعم الخليجي للسودان.
وأضاف عبد العزيز، في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن بالنظر إلى الوضع الداخلي، فإن الحكومة السودانية تواجه بالفعل تحديات كبرى، من أزمات اقتصادية خانقة إلى اضطرابات أمنية وسياسية مستمرة.
وتابع المحلل السياسي السوداني: إن التقارب مع إيران قد لا يكون خيارًا حكيمًا إذا أدى إلى تفاقم الضغوط الخارجية، خصوصًا في ظل الحاجة إلى دعم دولي للخروج من الأزمة الحالية، مضيفًا أن السودان قد يجد نفسه في وضع صعب إذا لم يُحسن إدارة هذا التقارب مع إيران، موضحًا أن على الخرطوم أن تدرك أن التورط في لعبة النفوذ الإقليمي قد يحمل كلفة باهظة، سواء من حيث الاستقرار الداخلي أو العلاقات مع القوى الكبرى.