الدم والدقيق في غزة.. قوافل الأمم المتحدة تُنهب تحت وابل الرصاص
الدم والدقيق في غزة.. قوافل الأمم المتحدة تُنهب تحت وابل الرصاص

عاشت غزة يوم الأربعاء واحدة من أكثر لحظات التوزيع الإنساني فوضوية وخطورة منذ اندلاع الحرب، حين اجتاحت جموع ضخمة من المدنيين قافلة مساعدات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بعد ساعات من الانتظار بالقرب من أحد الحواجز الإسرائيلية شمال القطاع.
وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أنه رغم أن الشاحنات البالغ عددها 47 تمكنت من عبور الحاجز بصعوبة، فإنها تعرضت للنهب الكامل خلال ثلاث ساعات، ولم تتقدم سوى مئات الأمتار داخل القطاع المدمر.
وووفقًا لتقرير أمني داخلي صادر عن بعثة برنامج الأغذية العالمي واطلعت عليه صحيفة واشنطن بوست، فإن القوات الإسرائيلية فتحت النار على الجموع المحتشدة من خلال طلقات نارية ومدفعية بهدف تفريقهم؛ مما أدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصًا وإصابة أكثر من 600 آخرين، بحسب ما أكد مسؤول بالأمم المتحدة.
وفي المقابل، قالت السلطات العسكرية الإسرائيلية: إن الجنود أطلقوا فقط "نيران تحذيرية" ولم يتم تسجيل أي ضحايا وفق معلوماتهم الأولية.
تصاعد في أعداد الضحايا
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه رغم إعلان إسرائيل، تحت ضغوط دولية، عن تخفيف القيود على دخول الغذاء إلى غزة منذ السبت، إلا أن عمليات التوزيع ما تزال تشهد إطلاق نار ونهبًا وفوضى إدارية تعرقل وصول المساعدات لمستحقيها.
وتشير إحصاءات وزارة الصحة في غزة إلى مقتل 209 فلسطينيين أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات منذ إعلان إسرائيل السماح بدخول الغذاء، من بينهم أكثر من 1000 شخص قُتلوا أو أصيبوا منذ مايو قرب مراكز التوزيع، بما في ذلك برصاص القوات الإسرائيلية.
وتقول المنظمات الإنسانية: إن ما يجري هو نتيجة مباشرة لسياسة الحصار التي تفرضها إسرائيل منذ الربيع، والتي أدت إلى مستويات حرمان شديدة دفعت المدنيين إلى التزاحم اليائس على أي شاحنة تدخل القطاع.
انهيار النظام في ظل غياب بديل للحكم
ويرى مسؤول سابق في الجيش الإسرائيلي، أن الفوضى التي تعيشها غزة اليوم تعود إلى انهيار كلي في النظام بعد تفكيك بنية حماس العسكرية دون إيجاد بديل حوكمي؛ ما أدى إلى انتشار عصابات مسلحة تقوم بعمليات نهب، وسط اقتناع المدنيين أن كل شاحنة قد تكون الفرصة الأخيرة للبقاء.
وتؤكد الأمم المتحدة، أن معظم من يستولون على الطعام من الشاحنات هم مدنيون جوعى، وليسوا مسلحين. ويقول أحد المسؤولين الدوليين: إن غياب وقف إطلاق النار زاد من حالة الضغط العقلي لدى الناس، وجعلهم يشعرون أن كل لحظة قد تكون فرصتهم الوحيدة لتأمين ما يسد رمق عائلاتهم.
وعود لم تُنفذ وممرات مغلقة
وفي مارس الماضي، وبعد هدنة مؤقتة، فرضت إسرائيل حصارًا جديدًا على القطاع أوقف كل المساعدات، وعندما تعرّضت لضغوط دولية، همّشت عمليات الأمم المتحدة لصالح مؤسسة خاصة تدعى "مؤسسة غزة الإنسانية"، مدعومة أمريكيًا، بحجة أن مساعدات الأمم المتحدة كانت تصل إلى أيدي حماس، وهي رواية يشكك فيها مسؤولون غربيون وأمميون.
وبحسب مسؤول أممي، فقد قدمت إسرائيل وعودًا خطية بالسماح بفتح معابر إضافية وبدخول 100 شاحنة يوميًا، مع ضمان عدم وجود قوات إسرائيلية على طرق القوافل أو في مخازن التوزيع، ولكن لم يتم تنفيذ أي من هذه الوعود حتى الآن.
مشاهد يومية من الرعب والذعر
وأظهر تصوير جوي من طائرات الجيش الأردني الدمار الهائل وحالات النزوح في مدينة غزة، فيما أظهر مقطع فيديو نشره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة مئات الفلسطينيين جالسين على جانب الطريق وهم يتعرضون لوابل من الرصاص القريب من أقدامهم لمنعهم من الاقتراب من قافلة أممية.
ومع اقتراب المركبات، توقفت النيران، ليندفع شبان يحملون أكياسًا فارغة نحو القافلة في مشهد متكرر.
وفي شهادة لبلال أبو مغيصب، سائق في شركة شحن توفر حراسة مسلحة لقوافل الإغاثة، قال: إن الطرق المخصصة تمر بمناطق مكتظة ومليئة بالحفر، ويضطر السائقون إلى القيادة بسرعة عالية لتفادي النهب؛ ما يؤدي أحيانًا إلى دهس الناس.
وأضاف: أن قوات الجيش الإسرائيلي ترفض فتح طرق بديلة تحت ذريعة أنها تقع في مناطق قتال، فيما ترفض الأمم المتحدة عروض الحماية المسلحة الإسرائيلية لتجنب المساس بمبادئ الحياد.
غارات إسرائيلية تستهدف من ينظمون التوزيع
يوم الإثنين، وقبل يومين من اقتحام قافلة الأمم المتحدة في شارع الرشيد، شهدت المنطقة نفسها مشهدًا مشابهًا من العنف، حيث أطلقت طائرة إسرائيلية مسيرة صاروخًا على عناصر أمن محليين كانوا يرافقون قافلة مساعدات غذائية؛ ما أسفر عن مقتل أكثر من ستة منهم، بحسب شهود عيان.
وقال أحد المتطوعين: إن إسرائيل تركت الناهبين دون تدخل بينما استهدفت من كانوا يؤمّنون القافلة.
وردًا على استفسارات صحيفة واشنطن بوست، قال الجيش الإسرائيلي: إنه استهدف "إرهابيين من حماس" كانوا يعتزمون نهب المساعدات، دون تقديم دليل يثبت انتماء القتلى لحماس.
شهادات من قلب المعاناة
أحمد قراير، أب لستة أطفال، كان حاضرًا أثناء الغارة الجوية يوم الإثنين. قال: إنه تمكّن من سحب 10 كيلوغرامات من الأرز من الشاحنات تحت القصف وعاد بها إلى منزله.
وأضاف بأسى، أن كثيرين لا يملكون القوة أو الوسائل للوصول إلى المساعدات، بينهم أطفال ومرضى.
وأكد قراير أنه رغم الفوضى والمخاطر، يفكر بالعودة إلى شارع الرشيد حال وصول قافلة جديدة، قائلاً: "لم يبق لدي أي دقيق، ربما أذهب مجددًا، ما يحدث، يحدث".