من منصة القضاء إلى قفص الاتهام.. من هو مراد المسعودي القاضي الإخواني المعزول؟
من منصة القضاء إلى قفص الاتهام.. من هو مراد المسعودي القاضي الإخواني المعزول؟

أيدت محكمة الاستئناف بتونس حكمًا غيابيًا يقضي بسجن القاضي الإخواني المعزول والمرشح الرئاسي السابق مراد المسعودي ثمانية أشهر، في فصل جديد من الصراع القضائي والسياسي الذي اجتاح المشهد التونسي منذ سنوات، يجمع قرار المحكمة بين أبعاد قانونية وإجرائية وسياسية، فهو يتقاطع مع قضية التزكيات الانتخابية التي شغلت الرأي العام خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، ويعيد إلى الواجهة نقاشات واسعة حول استقلال القضاء وملف عزل القضاة عام 2022.
تزوير وتدليس
أصدرت الدائرة الجناحية الصيفية لدى محكمة الاستئناف بتونس قرارها الذي أقَرّ الحكم الابتدائي الصادر غيابًا بحق المسعودي، مؤكدة عقوبة السجن لمدة ثمانية أشهر بتهم تتعلق بـ"افتعال وتدليس التزكيات" المرتبطة بملف ترشحه للرئاسة.
يمثل هذا القرار لحظة فاصلة في مسار قضائي امتد على خلفية ملفات انتخابية أثارت نقاشًا حادًا حول شروط الترشح ونزاهة المسابقات السياسية في تونس، ويعيد طرح أسئلة عن استقلالية الإجراءات القضائية وكيفية تطبيقها على فاعلين سياسيين كانوا يومًا جزءًا من منظومة العدالة.
سجل القضية يعود إلى العام الماضي عندما قضت محكمة ابتدائية غيابًا ضد المسعودي، قبل أن تقرر إبقاءه طليقًا إلى حين البت في الطعون التي تقدم بها دفاعه.
اتهامات تتعلق بتزكيات الترشح وهي ورقة مركزية في أي حملة رئاسية، لم تكن جديدة على الساحة التونسية، في عام 2024 شهدت البلاد مواجهات قضائية متعددة مع مرشحين سُجِّلَت ضدهم أحكام غيابية أو ملاحقات مماثلة.
القانون الانتخابي التونسي يفرض شروطًا محددة لقبول ترشح أي مرشح رئاسي، أبرزها جمع عشر آلاف تزكية شعبية موزعة جغرافيًا أو الاعتماد على تزكيات نوابية ومحلية كبدائل، وهو معيار تقني واجه نقدًا من معارضين اعتبروا أنه عقبة تنظيمية قد تُستغل لتقييد الساحة السياسية. هذه الآلية جعلت قضايا "التزكيات" مسرحًا لجدل واسع، خصوصًا حين تُحاط ملفات الترشح بشبهات تلاعب أو تدليس.
من هو المسعودي؟
خلفية المسعودي القضائية تَحمل رمزية خاصة، مراد المسعودي هو قاضٍ تونسي سابق برز اسمه بقوة في الساحة السياسية خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد عزله من منصبه القضائي سنة 2022 ضمن قائمة شملت 57 قاضيًا أصدر الرئيس قيس سعيّد قرارًا بعزلهم بدعوى "التورط في الفساد والتستر على قضايا إرهاب".
شكل ذلك القرار نقطة تحول في مسيرة المسعودي، حيث انتقل من موقعه كقاضي في جهاز الدولة إلى موقع معارض لسياسات الرئيس، معززًا حضوره في النقاشات القانونية والسياسية.
في العام 2024، حاول خوض غمار الانتخابات الرئاسية، مستندًا إلى رصيده كقاضي معزول يرفع شعار الدفاع عن استقلالية القضاء، غير أن ملف ترشحه تعثر بسبب اتهامات تتعلق بتزوير التزكيات الانتخابية، وهي الشروط القانونية اللازمة لقبول الترشحات للرئاسة.
ورغم نفيه المستمر لهذه التهم، صدر في حقه حكم ابتدائي غيابي بالسجن ثمانية أشهر، ثم أيدته محكمة الاستئناف لاحقًا، ما أدخله في مواجهة قضائية مباشرة مع السلطة.
شخصية المسعودي تجمع بين بعدين، قاضي يعتبر نفسه ضحية "تصفيات سياسية"، ومرشح سياسي سابق يحاول استثمار صورته في معركة رمزية ضد السلطة التنفيذية.
لذلك، تحولت قضيته إلى مرآة تعكس الجدل الأكبر في تونس حول استقلال القضاء وتداخل القانون بالسياسة، ليصبح اسمه عنوانًا لصراع محتدم بين الطموح السياسي والقيود القضائية.