موانئ تحت النار.. الغارات الإسرائيلية تعمّق الأزمة الإنسانية في اليمن
موانئ تحت النار.. الغارات الإسرائيلية تعمّق الأزمة الإنسانية في اليمن

في مشهد يعكس اتساع رقعة المواجهة الإقليمية، امتدت نيران الصراع من غزة إلى البحر الأحمر، بعدما شنت إسرائيل سلسلة من الغارات المكثفة استهدفت ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين في غرب اليمن، هذه الضربة التي جاءت بعد تحذير عاجل بإخلاء الميناء والسفن الراسية فيه، تكشف بوضوح أن تل أبيب باتت تتعامل مع الحوثيين كجبهة مواجهة رئيسية، وليس مجرد ذراع إيرانية بعيدة، وبينما تعلن إسرائيل أنها تسعى إلى تحجيم القدرات العسكرية للجماعة دون استهداف المدنيين، يصر الحوثيون على تصوير أنفسهم كطرف صامد في معركة "مقدسة" ضد إسرائيل، رغم الكلفة الباهظة التي يدفعها اليمنيون، ومع تصاعد الضربات الجوية إلى سبعة عشر موجة منذ يوليو 2024، يتضح أن الحرب في غزة تحولت إلى شرارة نزاعات أوسع، حيث صار البحر الأحمر وموانئ اليمن جزءًا من رقعة شطرنج إقليمية معقدة.
بين الرواية الإسرائيلية والحوثية
لم تعد الهجمات الجوية الإسرائيلية على اليمن حدثًا استثنائيًا، بل باتت جزءًا من مشهد حرب إقليمي آخذ في التشابك والتعقيد.
ففي الساعات الأولى من فجر الثلاثاء، نفذت طائرات إسرائيلية اثنتي عشرة غارة مركّزة على ميناء الحديدة، أحد أهم المرافئ الحيوية في غرب اليمن، بعد تحذير عاجل بإخلاء المكان.
وأكد الجيش الإسرائيلي، أن الاستهداف يهدف إلى تقويض ما وصفه بـ"البنية العسكرية الحوثية" التي تستغل الميناء في عمليات تهريب السلاح الإيراني، ولا سيما الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.
في مقابل الرواية الإسرائيلية التي تركز على حماية أمنها ومنع تدفق الأسلحة الإيرانية، خرج المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، معلنًا أن دفاعاتهم الجوية "أربكت الطيران الإسرائيلي وأفشلت بعض هجماته"، وهو تصريح يراه مراقبون استمرارًا لنهج الجماعة في المبالغة الدعائية لرفع معنويات أنصارها.
وبينما يحرص الحوثيون على تسويق الهجوم كجزء من "معركة مقدسة" لنصرة الفلسطينيين، يرى محللون يمنيون أن الجماعة تسعى أساسًا إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية، مستفيدة من الغطاء الإيراني المباشر.
هذه الغارات ليست معزولة عن مسار التصعيد المستمر منذ يوليو 2024، حين بدأت إسرائيل حملة جوية ممنهجة ردًا على مقتل إسرائيلي في تل أبيب بطائرة مسيّرة حوثية.
ومنذ ذلك الحين، شنت تل أبيب سبعة عشر موجة من الهجمات التي استهدفت مواقع حساسة من بينها مقرات حكومية ومراكز إعلامية ومخازن سلاح، وكان أبرزها في 28 أغسطس، حين قُتل رئيس حكومة الحوثيين أحمد غالب الرهوي وتسعة من وزرائه في صنعاء، ما شكّل ضربة نوعية للجماعة.
من جهته يقول، قال المحلل السياسي اليمني باسم الحكيمي: إن الضربات الإسرائيلية الأخيرة على ميناء الحديدة تمثل "نقلة نوعية في طبيعة المواجهة"، مشيرًا أن إسرائيل باتت تتعامل مع الحوثيين كتهديد استراتيجي على المدى البعيد، وليس مجرد ذراع إيرانية يمكن احتواؤها بالردع التقليدي.
وأوضح الحكيمي -في تصريح لـ"العرب مباشر"-، أن اختيار ميناء الحديدة هدفًا للهجوم يحمل رسائل سياسية وعسكرية في آن واحد، إذ تسعى تل أبيب إلى شل قدرة الجماعة على استقبال شحنات السلاح الإيراني وقطع خطوط الإمداد البحري، خصوصًا في ظل اتهامات متكررة باستخدام الميناء كمركز لتهريب الأسلحة والمسيّرات.
وأضاف: أن هذه التطورات تعكس تحوّل البحر الأحمر إلى مسرح مواجهة مفتوح، ما يهدد الأمن البحري العالمي ويزيد الضغوط على المجتمع الدولي للتدخل.
واعتبر الحكيمي، أن الحوثيين يغامرون بمستقبل اليمن عبر ربط معركتهم بالأجندة الإيرانية، وهو ما يدفع إسرائيل إلى رفع سقف الردود العسكرية بشكل غير مسبوق.
وختم بالقول: إن استمرار هذا النمط من التصعيد قد يقود إلى تدخلات دولية أوسع، وربما يفتح الباب أمام عملية عسكرية مشتركة تقودها واشنطن لحماية الملاحة، ما يعني أن اليمن قد يدخل مرحلة جديدة من العسكرة والصراع الإقليمي.
البعد الإنساني للأزمة
تداعيات هذه المواجهة تجاوزت البعد العسكري لتطال حياة المدنيين بشكل مباشر. فاستهداف موانئ مثل الصليف ورأس عيسى، إضافة إلى الضربات المتكررة في الحديدة، أدى إلى تراجع حاد في قدرة اليمن على استقبال الشحنات التجارية والإنسانية.
هذا الوضع فاقم من الأزمة المعيشية في بلد يعاني أصلًا من انهيار اقتصادي وانعدام الأمن الغذائي.
الحكومة اليمنية الشرعية حذرت مرارًا من أن استمرار استهداف الموانئ سيحوّل الأزمة الإنسانية إلى كارثة كاملة، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية الملاحة الدولية ووقف "الانتهاكات المزدوجة" التي تضاعف معاناة الشعب اليمني.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي اليمني محمد شمسان، أن الضربات الإسرائيلية على ميناء الحديدة تحمل تداعيات عميقة على الداخل اليمني، قد تتجاوز آثارها العسكرية المباشرة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والسياسية.
وأوضح شمسان -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن استهداف ميناء حيوي كهذا يهدد بزيادة معاناة ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على تدفق السلع والمواد الغذائية عبر الحديدة، مشيرًا إلى أن أي تعطيل طويل الأمد للميناء قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات، وهو ما سيضاعف من معدلات الفقر والجوع في البلاد.
وأشار شمسان إلى أن هذه الضربات تعطي الحوثيين فرصة لاستغلال المشهد داخليًا، حيث يسعون إلى تجييش الشارع ضد ما يسمونه "العدوان الخارجي"، مما يمنحهم مبررًا لتعزيز قبضتهم الأمنية في مناطق سيطرتهم وتبرير استمرار تجنيد المقاتلين، لكنه في المقابل يرى أن استمرار الخسائر قد يضعف مكانة الجماعة سياسيًا مع مرور الوقت، خاصة إذا تحولت البنية التحتية إلى أهداف متكررة.
وختم شمسان بالقول: إن الداخل اليمني قد يشهد تصعيدًا إضافيًا بين الحوثيين وخصومهم السياسيين، حيث ستحاول الحكومة الشرعية استثمار الموقف للضغط على المجتمع الدولي لإدانة الجماعة وتحميلها مسؤولية جرّ البلاد إلى صراع إقليمي يهدد حياة المدنيين ويطيل أمد الحرب.