قمة ماكرون في العريش.. محاولة دبلوماسية لإنقاذ غزة من الحصار والدمار

قمة ماكرون في العريش.. محاولة دبلوماسية لإنقاذ غزة من الحصار والدمار

قمة ماكرون في العريش.. محاولة دبلوماسية لإنقاذ غزة من الحصار والدمار
ماكرون والسيسي

في لحظة تتقاطع فيها التحركات الدولية مع تعقيدات الميدان في غزة، تستضيف القاهرة، الاثنين، قمة ثلاثية تجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في مسعى مشترك للحد من تصاعد التوتر في القطاع المحاصر، وإنعاش المبادرات السلمية التي تراوح مكانها منذ أشهر.

*تحرك فرنسي في توقيت شديد الحساسية*


زيارة ماكرون إلى مصر تأتي وسط تصعيد إسرائيلي متواصل في غزة، بالتوازي مع زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض، ما يضفي على القمة الثلاثية طابعًا رمزيًا أكثر من كونه متوقعًا أن يحقق اختراقًا فعليًا.

غير أن باريس، التي تحاول تعزيز حضورها في المنطقة، تؤكد أن الزيارة تُجسد التزامًا أخلاقيًا تجاه الكارثة الإنسانية المتفاقمة جنوب المتوسط.

وفي منشور عبر منصة "إكس"، أوضح ماكرون أن القمة تأتي "استجابة لحالة الطوارئ في غزة"، مشددًا على أن التحرك الفرنسي يهدف إلى تعزيز التنسيق مع مصر والأردن، باعتبارهما أبرز الأطراف العربية المنخرطة في جهود التهدئة.

*أجندة القمة: مساعدات، هدنة، وخطة إعادة الإعمار*


تتضمن أجندة القمة محاور رئيسية، تبدأ بإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى غزة، وتمر بدعوات لوقف إطلاق النار، وتحرير الأسرى، ولا تنتهي عند مناقشة الخطة العربية لإعادة إعمار القطاع، التي باتت شرطًا دوليًا للاستقرار بعد الحرب.

كما ستتطرق القمة إلى مؤتمر دولي تعتزم القاهرة الدعوة إليه، بالتنسيق مع باريس والرياض، لبحث آليات الإعمار والحكم والأمن بعد الحرب.

ومن المقرر أن يتوجه ماكرون، الثلاثاء، إلى مدينة العريش، في خطوة رمزية تهدف لتسليط الضوء على الأزمة الإنسانية، ولقاء منظمات إغاثية وأمنية تعمل في محيط القطاع.

*زخم دبلوماسي عربي يتجدد... لكن دون ضمانات*

يرى خبراء في الشأن السياسي، أن القمة تأتي استكمالاً لتحركات دبلوماسية تقودها مصر والأردن بالتوازي مع التحركات الأممية.

الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وصف القمة بأنها جزء من "الاشتباك الإيجابي" الذي يهدف إلى إحداث اختراقات سياسية عبر القنوات الدبلوماسية، رغم تعقيد المشهد الإقليمي.

ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن ما يُحرك الدبلوماسية المصرية هو محاولة تشكيل موقف عربي موحّد، يدفع باتجاه وقف نزيف الدم الفلسطيني، وإيصال المساعدات، وإعادة إحياء حل الدولتين، في ظل تحول نسبي في مواقف بعض الدول الأوروبية التي بدأت تعيد النظر في دعمها غير المشروط لإسرائيل.

*واقعية سياسية.. واشنطن تملك مفاتيح الضغط*

ورغم أهمية اللقاء فإن أغلب التحليلات تميل إلى التشكيك في قدرته على التأثير الفوري، خاصة في ظل انشغال الإعلام الدولي بلقاء نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن، إذ تبقى الولايات المتحدة، بحسب فهمي، الجهة الوحيدة القادرة على فرض تغيير ملموس في سلوك إسرائيل، بينما لا تزال أدوات الضغط الأوروبية غير مفعّلة بشكل جاد.

من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد المنجي، أن توقيت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة ليس مجرد مصادفة دبلوماسية، بل يعكس رغبة واضحة من باريس في إعادة التموضع السياسي داخل الإقليم، في ظل تسارع التحولات المرتبطة بالحرب على غزة.

واعتبر المنجي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن فرنسا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى استعادة دورها التقليدي كوسيط دولي فاعل في ملفات الشرق الأوسط، وخصوصًا في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن هذه الرغبة، برأيه، لا تزال أقل من أن توازي حجم التحديات الجيوسياسية التي يشهدها الإقليم، ولا تترجم حتى الآن إلى نفوذ فعلي قادر على التأثير في مواقف الأطراف المتصارعة.
 
وشدد المنجي على أن القمة الثلاثية بين قادة مصر وفرنسا والأردن تحمل أهمية دبلوماسية بالغة، ليس فقط من حيث رمزيتها السياسية، ولكن أيضًا بالنظر إلى الملفات الشائكة المطروحة على جدول أعمالها، وفي مقدمتها مستقبل إعادة إعمار قطاع غزة، الذي يواجه تعقيدات لوجستية ومالية وسياسية كبيرة، إضافة إلى بحث الترتيبات الأمنية المطلوبة لضمان الاستقرار في القطاع بعد انتهاء الحرب، مع ما يستلزمه ذلك من مناقشة سيناريوهات الحكم والحوكمة، وهو الملف الذي لا يزال يفتقر إلى توافق إقليمي ودولي حاسم.

*رؤية فرنسية – عربية.. ما بين الممكن والمأمول*


وتسعى فرنسا، التي ستترأس إلى جانب السعودية مؤتمرًا دوليًا حول حل الدولتين في يونيو المقبل، إلى دعم الخطة العربية – الإسلامية لإعادة إعمار غزة، مع تأكيد رفضها لأي تهجير قسري للفلسطينيين، في ظل توجسات أوروبية من احتمال اتساع رقعة التهجير جنوب القطاع.


لكن باريس تدرك جيدًا أن وزنها وحده لا يكفي لإحداث اختراق سياسي، ما لم تتبنَ أوروبا موقفًا أكثر حزمًا تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة.

وفي هذا السياق، يُنتظر أن تُشكل القمة الثلاثية منصة جديدة لدفع الرأي العام الدولي للتحرك، حتى وإن بقي الأثر محدودًا على الأرض في الوقت الراهن.