ثلاث قواعد وجبهتان.. سباق النفوذ التركي- الإسرائيلي فوق أنقاض سوريا
ثلاث قواعد وجبهتان.. سباق النفوذ التركي- الإسرائيلي فوق أنقاض سوريا

بين أنقاض الحرب السورية، تتصاعد لعبة النفوذ مجددًا، وهذه المرة بين خصمين قديمين في سباق النفوذ الإقليمي: إسرائيل وتركيا، ففي الوقت الذي ما تزال فيه جراح سوريا تنزف، تُعاد صياغة خرائط السيطرة العسكرية فوق أراضيها. تحركات تركية مفاجئة لتثبيت وجود عسكري في ثلاث قواعد استراتيجية داخل سوريا – بينها تي فور وتدمر – فجّرت غضبًا إسرائيليًا، جاء هذه المرة بصوت أعلى وتحذيرات أوضح، وبموازاة الخطاب العلني للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الداعم لدمشق، تتحرك أنقرة على الأرض بخطى حذرة ولكن طموحة نحو ترسيخ موطئ قدم دائم، أما تل أبيب، فترى في هذا التمدد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، في ظل تحولات حساسة على الساحة السورية بعد سقوط نظام الأسد وصعود سلطة جديدة بدعم تركي، وسط هذه التحولات، باتت سوريا مسرحًا لصراع جديد، حيث القواعد العسكرية ليست فقط مواقع، بل رسائل سياسية واستراتيجية مشفّرة بلغة النيران.
*توسّع عسكري تركي*
في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية بعد نهاية النظام السابق وصعود سلطة جديدة، برز تطور نوعي قد يغيّر قواعد اللعبة الإقليمية، ثلاث قواعد عسكرية سورية تخضع الآن لاهتمام تركي متزايد، الأمر الذي أثار اعتراضات صارخة من الجانب الإسرائيلي.
تقول مصادر أمنية وإعلامية، إن تركيا، وبخطى محسوبة، تدرس إنشاء وجود عسكري فعلي داخل سوريا، بعد أن قامت وحدات تركية بتفقد ثلاث قواعد جوية استراتيجية خلال الأسابيع الماضية: قاعدة تي فور الجوية، وقاعدة تدمر، والمطار العسكري الرئيسي في محافظة حماة.
هذه الخطوة جاءت بالتزامن مع جولة محادثات حساسة جرت في أذربيجان بين وفود إسرائيلية وتركية، ناقشت مستقبل الانتشار العسكري الأجنبي في سوريا، وسط تصاعد التوتر على أكثر من جبهة.
*تهديد للأمن القومي الإسرائيلي*
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يخفِ قلقه من هذه التحركات، وأعلن صراحة أن أي تموضع عسكري تركي جديد داخل الأراضي السورية "يُعتبر تهديدًا مباشرًا لإسرائيل"، مؤكدًا أن بلاده لن تتهاون مع أي تغيير في ميزان القوى على حدودها الشمالية.
وبحسب مصادر إسرائيلية رسمية، فإن تل أبيب أوضحت خلال الاجتماعات الدبلوماسية مع أنقرة أنها تعتبر إقامة قواعد تركية – خاصة في منطقة تدمر – "خطًا أحمر"، وأنها لن تتردد في اتخاذ خطوات عسكرية إذا استدعى الأمر.
التوتر تصاعد أيضًا بسبب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كرر خلال منتدى دبلوماسي في أنطاليا دعم بلاده الكامل لدمشق، داعيًا إلى رفع العقوبات الدولية عنها واستئناف العلاقات الاقتصادية والتجارية معها. لكن المفارقة أن هذا الدعم يتزامن مع خطوات عسكرية ميدانية تهدف إلى تثبيت نفوذ تركي دائم، ما يثير شكوكًا دولية حول النوايا الحقيقية لأنقرة.
من جانبها، كثّفت إسرائيل خلال الأسبوع الماضي من ضرباتها الجوية داخل الأراضي السورية، مستهدفة مواقع عسكرية يُعتقد أنها على صلة بالنشاط التركي أو الإيراني، ورافقتها عملية توغل بري محدودة في الجنوب السوري.
وتشير التقديرات الأمنية، أن إسرائيل تسعى إلى رسم حدود واضحة لرفضها القاطع لأي تموضع تركي أو غيره في العمق السوري.
*تحولًا استراتيجيًا*
ويعتقد خبراء أن التمدد التركي في الداخل السوري، إن تمّ، سيمثل تحولا استراتيجيًا، خاصة أن أنقرة تدعم القيادة الجديدة في دمشق سياسيًا واقتصاديًا، وتسعى إلى تقديم نفسها كضامن لاستقرار سوريا ما بعد الحرب الأهلية التي استمرت 14 عامًا.
مصادر مخابراتية إقليمية أكدت أن الزيارات التي قامت بها الفرق العسكرية التركية لم تكن مجرد استطلاع تقني، بل تأتي ضمن إطار اتفاق دفاعي يجري التفاوض عليه مع القيادة السورية الجديدة.
وبالنظر إلى موقف تركيا التقليدي من الوجود الكردي المسلح وقواعد النفوذ الإيراني، فإن القواعد الثلاث قد تصبح نقاط تمركز تركية دائمة لمراقبة التطورات على الأرض وفرض توازنات جديدة.
من جانبه، يقول د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية: إن في الوقت الذي تحاول فيه أنقرة تقديم وجودها العسكري كمساهمة في استقرار سوريا وإعادة إعمارها، ترى إسرائيل في ذلك تطويقًا استراتيجيًا لنفوذها في الشمال، خاصة إذا ما ترافق مع انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية والروسية من بعض النقاط الحساسة.
وأضاف -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن المشهد المتداخل، يبرز معادلة جديدة، موضحًا أن سوريا لم تعد ساحة لتصفية الحسابات فحسب، بل مسرحًا لإعادة بناء التحالفات وتقاطع المصالح بين القوى الإقليمية، حيث تعني كل قاعدة عسكرية – أيًا كانت هويتها – أكثر من مجرد حضور جغرافي؛ مضيفًا، إنها رسائل تتقاطع فيها الدبلوماسية بالقصف، والنفوذ بالكلام، والخرائط بإرادة المنتصرين.