طهران وواشنطن في مسقط.. محاولة جديدة لاحتواء الملف النووي
طهران وواشنطن في مسقط.. محاولة جديدة لاحتواء الملف النووي

في أجواء إقليمية ملتهبة وتحت وطأة ضغوط دولية متزايدة، بدأت في سلطنة عُمان محادثات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وإيران، وُصفت بأنها "اختبار للنوايا" أكثر من كونها مفاوضات تقليدية.
المحادثات، التي تُعقد خلف أبواب مغلقة بين مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، تأتي بعد أشهر من التوترات التي أعادت البرنامج النووي الإيراني إلى صدارة القلق العالمي.
وبينما يُظهر الطرفان قدرًا من الانفتاح على الحوار، يبقى التباعد الاستراتيجي والشكوك المتبادلة حاضرين في كل كلمة ومواربة في كل تصريح.
يبدو أن عمان، التي طالما لعبت دور الوسيط الصامت في أكثر النزاعات تعقيدًا، تحاول هذه المرة رعاية لحظة نادرة من التواصل بين خصمين تاريخيين عالقين في لعبة شدّ وجذب منذ أكثر من عقدين.
*عودة إلى طاولة المفاوضات وسط ظلال الحرب*
يأتي استئناف المحادثات في وقت يشهد فيه البرنامج النووي الإيراني تقدمًا سريعًا، وصل إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة اللازمة لصناعة سلاح نووي، بحسب تقديرات غربية.
إيران، من جهتها، تكرر أنها لا تسعى لامتلاك القنبلة، بل تعمل ضمن حدود الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
لكن فقدان الثقة المتبادل، لاسيما بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، ما يزال يخيم على الأجواء.
في تصريح واضح النبرة، قال عراقجي: إن بلاده تسعى لاتفاق "عادل ومشرّف" يُبنى على التكافؤ والاحترام المتبادل، مؤكدًا أن نجاح الحوار مرهون بجدية الطرف الآخر.
وفيما شدد المسؤولون الإيرانيون على استبعاد أي نقاش حول برامجهم الدفاعية أو الصاروخية، صعّدت واشنطن من تحذيراتها، مؤكدة أن جميع الخيارات، بما فيها العسكرية، ما تزال مطروحة.
*الرهانات الإقليمية والمخاوف من التصعيد*
القلق لا يقتصر على الجانبين الأمريكي والإيراني فحسب، بل يمتد إلى حلفاء وخصوم في المنطقة يراقبون تطورات مسقط بحذر بالغ.
إسرائيل، التي ترى في المشروع النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا، لم تتوقف عن التهديد باستخدام القوة إذا فشلت الدبلوماسية.
من جهة أخرى، تتشابك خيوط هذه المحادثات مع واقع إقليمي متفجر، إذ تزداد التوترات بين إيران وإسرائيل على أكثر من جبهة، من لبنان وغزة إلى البحر الأحمر.
الانفجارات السياسية والعسكرية التي تشهدها المنطقة منذ عام 2023 تجعل من أي تقدم تفاوضي فرصة نادرة لتخفيف الضغط، لكن الفشل – وهو احتمال قائم بقوة – قد يطلق شرارة مواجهة أوسع نطاقًا.
ويبدو أن القيادة الإيرانية، عبر منح المرشد الأعلى علي خامنئي تفويضًا كاملاً لعراقجي، تعطي إشارة ضمنية باستعدادها لخوض تجربة تفاوضية فعلية، ولكن وفق شروط واضحة.
*الشكوك المتبادلة ورهانات اللحظة*
رغم التحركات العلنية، تظل الأجواء مشبعة بالشكوك، إيران، بحسب تسريبات دبلوماسية، لا تثق بوعود ترامب، وتعتبر خطابه المتشدد جزءًا من مناورة سياسية داخلية أمريكية أكثر منه نية فعلية للتوصل إلى حل.
في المقابل، لا تخفي واشنطن مخاوفها من تجاوزات نووية قد تغيّر موازين القوى في الشرق الأوسط.
التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي شدد على عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، تعكس حدة هذا القلق.
لكن اللافت في هذه الجولة من المحادثات هو اللهجة الأقل تصادمية من طهران، إذ أعلنت أنها تمنح "فرصة حقيقية" للحوار، رغم الأجواء العدائية السائدة في واشنطن.
قد تكون هذه اللهجة محاولة لاختبار نوايا الجانب الأمريكي، أو مجرد مناورات سياسية لكسب الوقت. وفي كلتا الحالتين، يبقى مصير هذه المحادثات معلقًا على خيط رفيع بين الانفراج والانفجار، حيث لا ضمانات ولا خارطة طريق واضحة بعد.
*لحظة اختبار داخلية وخارجية*
من جانبه، يرى الدكتور محمد محسن، الخبير في الشؤون الإيرانية، أن المحادثات الجارية في مسقط تمثل لحظة اختبار مزدوجة لطهران، داخليًا وخارجيًا، "القيادة الإيرانية تواجه ضغوطًا متصاعدة من الداخل بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ومن الخارج بسبب العزلة الدولية المتنامية".
ويرى محسن في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن قرار طهران بالعودة إلى طاولة الحوار "لا يعكس بالضرورة تنازلاً، بل هو محاولة لإعادة التموضع إقليميًا، خصوصًا مع تصاعد المواجهة مع إسرائيل والقلق المتنامي من الانفجار في جنوب لبنان أو سوريا".
ويضيف، لا يمكن قراءة هذه المحادثات بمعزل عن الانتخابات الأمريكية المقبلة، إذ تراهن إيران على متغير سياسي في واشنطن قد يمنحها هامش مناورة أوسع. لكنها، في الوقت نفسه، تدرك أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة لا ترغب بها الآن".
ويختم بالقول: إن نجاح المحادثات مرهون بإعادة بناء الثقة، "وهي عملية مؤلمة وطويلة في ظل سجلّ طويل من الانسحابات والنكوص عن التعهدات من الطرفين".