تحقيقات سريّة.. تكشف دور بريطانيا في تسهيل سيطرة الميليشيات على ليبيا

كشفت تحقيقات سريّة دور بريطانيا في تسهيل سيطرة الميليشيات على ليبيا

تحقيقات سريّة.. تكشف دور بريطانيا في تسهيل سيطرة الميليشيات على ليبيا
صورة أرشيفية

كشفت تحقيقات بريطانية حول حادث "مانشستر أرينا" الإرهابي والذي نفذه "سلمان رمضان العبيدي" 22 عامًا ليبي الأصل وأسفر عن مقتل 23 شخصًا وإصابة أكثر من 120 آخرين، حصول الجيش البريطاني على معلومات تؤكد أن مقاتلين من منظمة إرهابية مرتبطة بالقاعدة متربصون بليبيا وكانوا يسعون للاستفادة من إطاحة دول الغرب بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي عام 2011، لكنه استمر في دعم الضربات الجوية لحلف شمال الأطلسي "الناتو" في ليبيا لمدة شهرين آخرين، ويثير هذا الكشف أسئلة جادة حول السياسة الخارجية البريطانية وما إذا كان رئيس وزراء المملكة المتحدة آنذاك ديفيد كاميرون قد ضلل البرلمان.

تلاعب كاميرون

موقع "سكرين بوست" الأميركي، أكد أن التحقيقات البريطانية في الحادث الإرهابي كشفت أنه في أوائل سبتمبر 2011، أطلع ديفيد كاميرون مجلس العموم البريطاني على الوضع في ليبيا، حيث قال للنواب: "هذه الثورة لا تتعلق بـ"الإسلاموية المتطرفة"، وتنظيم القاعدة لم يلعب أي دور فيها"، ومع ذلك، كانت وزارة الدفاع قد قيمت الأمر الشهر السابق لتصريحاته قائلة: "من المرجح أن يكون لواء 17 فبراير لاعبًا دائمًا في الانتقال السياسي في ليبيا بعيدًا عن نظام القذافي، كما أن لديه روابط سياسية مع قيادة المتمردين الليبيين أو ما يسمى بالمجلس الوطني الانتقالي"، وتأتي تقييمات وزارة الدفاع البريطانية ورئيس الوزراء آنذاك على الرغم من أن لواء شهداء 17 فبراير، كان ميليشيا إسلامية متشددة سميت على اسم تاريخ بدء الانتفاضة ضد القذافي، وكان من بين صفوفها سلمان عبيدي، الذي قتل 22 شخصًا بريئًا في هجوم مانشستر أرينا الإرهابي في عام 2017، وتابع الموقع، إن تقييم وزارة الدفاع البريطاني قال أيضًا إن العديد من مقاتلي لواء 17 فبراير ينتمون إلى جماعة الإخوان وجماعات إسلامية أخرى، مثل الحركة الإسلامية الليبية للتغيير، ومع ذلك استمر رئيس الوزراء في مهمته متجاهلاً كافة التحذيرات، والتقارير الاستخباراتية التي أفادت بأن بريطانيا قد حظرت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في عام 2005 وصنفتها كمنظمة إرهابية بسبب صلاتها بالقاعدة، وكان من بين أنصارها رمضان عبيدي والد مفجر مانشستر، حتى غيرت المنظمة اسمها إلى الحركة الإسلامية الليبية للتغيير خلال حرب 2011، وأضاف الموقع أنه على الرغم من أن قيادة الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة تخلت عن علاقاتها مع القاعدة كجزء من صفقة إطلاق سراح سجناء أبرمتها مع القذافي قبل وقت قصير من انتفاضة 2011، إلا أن العديد من أعضائها استمروا في تبني آراء إسلامية عنيفة، ولم يتم رفع الحظر عن الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في المملكة المتحدة حتى عام 2019.

خداع البرلمان

ووفقًا للموقع الأميركي، كشفت وزارة الدفاع عن جزء من تقييمها السري بعد طلب حرية المعلومات، وليس من الواضح ما إذا كان قد تم تبادل المعلومات الاستخباراتية في ذلك الوقت مع مجلس الوزراء أم لا، وورد في التحقيقات البريطانية، أن الدكتور ليام فوكس، الذي كان وزيرًا للدفاع أثناء الحرب، قال للجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان في عام 2016: "لا أذكر قراءة أي تقارير تحدد خلفية أي نشاط إسلامي لجماعات متمردة في ليبيا"، وكان فوكس يرد على سؤال من اللجنة حول ما إذا كان على علم بأن أعضاء الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة شاركوا في التمرد الذي دعمته المملكة المتحدة، بينما أخبر اللورد ويليام هيج، وزير الخارجية آنذاك، اللجنة: "بأنه لم يكن لدى القادة الليبيين أنفسهم فهم لما كان يحدث في بلدهم، وبالتالي لم يكن من الممكن أن يتوقع البريطانيون ماذا كان يحدث في ليبيا أو هوية هذه الميليشيات"، كما قال الجنرال السير ديفيد ريتشاردز، كبير الضباط العسكريين البريطانيين أثناء التدخل البريطاني، إن معرفة وايتهول بمدى تورط الجماعة الليبية المشاركة في التمرد مع تنظيم القاعدة كانت منطقة رمادية"، حيث قال للجنة "لو كنا في عالم مثالي، كنا سنعرف كل شيء ولكننا متشككين وبدأنا في فهم ما يحدث خلال الحملة"، وحاول ريتشاردز من وراء الأبواب المغلقة وقف القصف والسماح بالمفاوضات، لكن كاميرون رفض مقترح، وعلق ريتشاردز قائلاً: "نظرًا لعدائي المعروف لتغيير النظام في ليبيا، فأنا على يقين من أن موظفي مكتبي الخارجية كانوا سيوجهون انتباهي إلى هذا الأمر لو كانوا يعلمون ما يحدث من البداية".

تمهيد الطريق للميليشيات

وأكد الموقع الأميركي، أنه تم إصدار تقييم وزارة الدفاع في وقت ما في أغسطس 2011، عندما استولى المتمردون بقيادة القائد السابق للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج على العاصمة الليبية طرابلس، التي اعتمدت في عمليتها بشكل كبير على القوة الجوية البريطانية والتخطيط لحلف الناتو، وقال إيان مارتن، كبير مسؤولي الأمم المتحدة في ليبيا في ذلك الوقت، "إن طائرات الهليكوبتر الهجومية البريطانية كانت محورية في دعم الهجوم الأخير على طرابلس"، حيث قامت القوات الخاصة البريطانية بمرافقة قائد المتمردين وتقديم المشورة له طوال تقدمه باتجاه العاصمة، على الرغم من أن تفويض الناتو من الأمم المتحدة كان يسمح له بحماية المدنيين فقط، إلا أن الحلف استمر في مهاجمة قوات القذافي حتى نهاية أكتوبر 2011، أي بعد شهرين من سقوط طرابلس، ما ترتب عليه إعدام المتمردين للقذافي دون محاكمة في مسقط رأسه في سرت يوم 20 أكتوبر، وأفاد الموقع بأنه من خلال تدمير القوات الحكومية الليبية، بدلاً من السعي لوقف إطلاق النار وإبرام تسوية تفاوضية، كما اقترح الاتحاد الإفريقي، ساعد الناتو في خلق فراغ في السلطة في البلاد، وبعد أن أجريت الانتخابات في عام 2012، والتي فشل فيها الإسلاميون في الفوز بالأغلبية، استخدموا بدلاً من ذلك ميليشياتهم للحفاظ على نفوذهم السياسي، ثم انزلقت ليبيا إلى دولة فاشلة وفوضوية، حيث تنافست الميليشيات المتناحرة على السيطرة على العاصمة، بمساعدة المملكة المتحدة والناتو، وخلقت الفوضى ملاذًا آمنًا للإرهاب الدولي، حيث أقام فرع القاعدة الليبي ميليشيا "أنصار الشريعة" كما انتشر تنظيم داعش في معسكرات في البلاد.