قلق أمني يحرك السكان.. حركة نزوح متسارعة في جنوب لبنان
قلق أمني يحرك السكان.. حركة نزوح متسارعة في جنوب لبنان

مع تزايد التهديدات الأمنية وتصاعد الخطابات السياسية المشحونة، تشهد مناطق لبنانية عدة، خاصة في المتن وكسروان والشوف، حركة نزوح غير مسبوقة.
العائلات التي عانت من ويلات الحروب السابقة تتحرك اليوم بخطى سريعة، وكأنها تستعيد ذكريات الماضي القريب، حيث كانت الهروب إلى المناطق الجبلية والساحلية خيارًا إجباريًا لضمان البقاء.
هروبٌ استباقي.. بين الخوف والغلاء
في شوارع برمانا وعاليه، تتحرك العائلات بحثًا عن ملاذ آمن. ليست العطلة الصيفية هي الدافع هذه المرة، بل مخاوف من انفجار أمني قد يطال الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب اللبناني مجددًا.
الأسعار ارتفعت بنسب تصل إلى 30% في بعض المناطق، لكن ذلك لم يوقف تدفق النازحين، الذين يفضلون دفع المزيد على المخاطرة بانتظار الأسوأ.
"لا نريد أن نكون آخر من يغادر إذا ساء الوضع"، تقول إحدى الأمهات وهي تبحث عن شقة في بعبدا. هذه العبارة تلخص حالة القلق التي تسيطر على الكثيرين، خاصة أولئك الذين اختبروا مرارة النزوح خلال الحروب السابقة. فبينما يصر البعض على أن "الأوضاع لن تتكرر"، يرى آخرون أن الاحتياط واجب، حتى لو كلفهم ذلك مبالغ إضافية في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة.
سوق العقارات.. بين الموسمية والاضطرار
حركة النزوح هذه لم تكن عابرة، بل تركت أثرًا واضحًا على سوق العقارات. ففي المناطق التي اعتادت استقبال السياح في الصيف، تحول الطلب إلى "نزوح اضطراري" بدلاً من "استجمام موسمي".
بعض الملاك رفعوا الأسعار مستغلين الزيادة المفاجئة في الطلب، بينما وجد آخرون فرصة لتأجير شققهم التي كانت شاغرة منذ أشهر.
الجنوب.. بين التحدي والترقب
في المقابل، تبقى بعض العائلات في الجنوب والضاحية الجنوبية رافضة فكرة النزوح. "هذا بيتي، ولن أتركه مرة أخرى"، يقول أحد السكان في حارة حريك. لكن هذا القرار لا يخلو من مخاطرة، خاصة مع استمرار التهديدات الأمنية وعدم وضوح المشهد السياسي.
أما في المناطق الجبلية، فقد تحولت بعضت القرى إلى وجهات مؤقتة لعائلات تأمل أن يعود الهدوء سريعاً. لكن مع استمرار التصعيد، قد تتحول هذه الملاذات المؤقتة إلى إقامة طويلة، مما يزيد الضغط على البنية التحتية والخدمات في تلك المناطق، والتي تعاني أصلاً من شح في الموارد.
المشهد الحالي يذكر بسنوات الحرب، عندما كانت العائلات تتنقل بين المناطق هرباً من القصف. الفارق اليوم هو أن اللبنانيين لم يعودوا ينتظرون سقوط الصواريخ ليتحركوا، بل يسارعون إلى اتخاذ الاحتياطات مسبقاً.
لكن في بلد يعاني من انهيار اقتصادي وأزمات متلاحقة، يصبح "الفرار" خياراً مرهقاً. فبين الخوف على الأمن وارتفاع تكاليف النزوح، يجد الكثيرون أنفسهم في مفترق طرق: إما المخاطرة بالبقاء، أو تحمّل أعباء الهروب دون ضمانات بأن الأوضاع ستسوء فعلاً.
ويقول المحلل السياسي اللبناني طوني حبيب: إن ما نشهده اليوم هو انعكاس لتراكم القلق الجماعي من سيناريو تصعيدي لم يغلق ملفه بعد، اللبنانيون، وخاصة في الجنوب والضاحية، يعيشون في حالة ترقب دائمة بسبب غياب الضمانات الأمنية والسياسية.
ويضيف حبيب -في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، أن التحركات الحالية ليست رد فعل على حدث محدد، بل على تراكم التهديدات المبطنة في الخطابات الإسرائيلية والتحركات الميدانية على الحدود، وهناك شعور عام بأن أي خطأ حسابي، أو عملية عسكرية محدودة، قد تشعل مواجهة أوسع، مع العائلات التي نزحت سابقاً تعرف جيداً كلفة التأخر في اتخاذ القرار، خصوصاً مع تردي البنية التحتية والخدمات التي قد تعيق النزوح لو تفاقم الوضع فجأة.