حقول ألغام في غزة.. كيف تحولت منازل النازحين إلى أفخاخ مميتة؟

حقول ألغام في غزة.. كيف تحولت منازل النازحين إلى أفخاخ مميتة؟

حقول ألغام في غزة.. كيف تحولت منازل النازحين إلى أفخاخ مميتة؟
ألغام في غزة

لم تنتهِ معاناة سكان غزة رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فالحرب تركت خلفها إرثًا قاتلًا يتمثل في الذخائر غير المنفجرة التي تهدد حياة المدنيين في كل زاوية من القطاع، وبينما يحاول السكان إعادة بناء حياتهم وسط الدمار، يجدون أنفسهم في مواجهة خطر غير مرئي، كامن في الركام والمنازل المدمرة والشوارع المهجورة، قذائف لم تنفجر، وألغام مخفية، وأنابيب غاز موصولة بأسلاك، كلها أفخاخ مميتة تجعل من العودة إلى المنازل رحلة محفوفة بالمخاطر، مع غياب الدعم الدولي الكافي وندرة المعدات اللازمة لنزع هذه الذخائر، يواجه الغزيون خطر الموت حتى في ظل الهدوء النسبي، هذه المأساة التي تتكرر بعد كل مواجهة عسكرية تعكس الوجه الآخر للحروب، حيث لا تنتهي المعاناة بانتهاء القتال، بل تستمر بأشكال أخرى، يكون المدنيون أول ضحاياها.


*العودة إلى الموت.. منازل تحولت إلى أفخاخ مميتة*


بعد أسابيع من النزوح، عاد خالد النجار، 40 عامًا، إلى منزله في مخيم رفح، متلهفًا للعودة إلى حياته الطبيعية، لكن لحظات الفرح سرعان ما تحولت إلى صدمة حين اكتشف وجود أجسام معدنية مختلفة الأحجام مكتوبًا عليها باللغة العبرية داخل منزله المدمر جزئيًا. 

النازح الفلسطيني قرر الخروج بسرعة، والاستعانة بالخبراء ممن لديهم سابق خبرة، وبالفعل ذهب معه أكثر من شخص ليؤكدوا أنها أجسام متفجرة والاقتراب منها شديد الخطورة وتحتاج لمتخصصين لتحريكها.

"لم أكن أتوقع أن يكون بيتي قنبلة موقوتة، لو كنت لمحت الخطر متأخرًا، أو تسرعت وحاولت نقله لكانت النهاية لي ولعائلتي"، يقول خالد بينما ينظر إلى الركام الذي كان يومًا ما منزله.

حالات مشابهة تتكرر يوميًا في أنحاء غزة، حيث يعثر السكان العائدون على قذائف وصواريخ غير منفجرة في منازلهم أو أحيائهم، ما يحوّل رحلة العودة إلى كابوس حقيقي.



*مدن تحولت إلى حقول ألغام*


لم تقتصر الأخطار على المنازل، فالشوارع نفسها لم تعد آمنة، ففي مدينة خان يونس، انفجر لغم أرضي أثناء أعمال إزالة الركام؛ ما أدى إلى إصابة خمسة عمال، اثنان منهم في حالة حرجة.

"لا نعرف متى وأين ستنفجر قنبلة مخفية تحت الأنقاض أو بين الحطام"، يقول أحد عمال الإغاثة، مشيرًا أن انفجارات متفرقة تحدث بشكل متكرر مع بدء محاولات إعادة الإعمار.

وفقًا لتقارير محلية، تتركز الذخائر غير المنفجرة بكثافة في المناطق الشمالية والوسطى من القطاع، حيث كانت المعارك أكثر ضراوة.

هذه الأوضاع دفعت العديد من العائلات إلى مغادرة منازلها مجددًا رغم وقف إطلاق النار، إذ يفضل البعض العيش في العراء على المخاطرة بحياتهم وسط الركام المفخخ.

*سباق مع الموت*


رغم التحديات، تعمل فرق المتفجرات التابعة لوزارة الداخلية في غزة على تفكيك وإزالة هذه الذخائر، لكنها تواجه نقصًا حادًا في المعدات والموارد.

من جانبه، يقول أحد خبراء الإدارة العامة لهندسة المتفجرات في الشرطة الفلسطينية في محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، رفض ذكر إسمه، أن ما لدينا من إمكانيات بدائية يجعل عملنا أشبه بمهمة انتحارية.

وأضاف خبير المتفجرات في حديثه لـ"العرب مباشر"، كل يوم نخاطر بحياتنا لإنقاذ الآخرين، لكننا بحاجة ماسة إلى دعم دولي حقيقي، مضيفًا أن بعض القذائف التي لم تنفجر تحتوي على تقنيات معقدة، ما يجعل التعامل معها أكثر خطورة، لا سيما في ظل الحصار المفروض على القطاع الذي يمنع دخول المعدات المتخصصة.

*دعم محدود ومعاناة مستمرة*


في الحروب السابقة، شاركت فرق دولية في إزالة الذخائر غير المنفجرة، لكن الحصار الإسرائيلي حال دون وصول هذه الفرق إلى غزة في السنوات الأخيرة، ما جعل هذه المهمة تقع بالكامل على عاتق فرق محلية تفتقر إلى الأدوات الكافية.

يقول خبير المتفجرات الفلسطيني، الذخائر غير المنفجرة تمثل تهديدًا طويل الأمد، وليس فقط خطرًا آنيًا، بعض هذه القنابل يمكن أن تظل نشطة لعقود، وهو ما رأيناه في أماكن أخرى من العالم.