بين الانقسام والفساد: لماذا يفقد الليبيون الثقة في صناديق الاقتراع؟
بين الانقسام والفساد: لماذا يفقد الليبيون الثقة في صناديق الاقتراع؟

رغم المحاولات المتكررة لإطالة أمد التسجيل ومنح الناخبين فرصة أوسع للمشاركة، أسدلت ليبيا الستار على مرحلة تسجيل الناخبين لانتخابات المجالس البلدية وسط أجواء من الفتور الشعبي والتشكيك الواسع في جدوى هذه العملية، ثلاث مرات تم فيها تمديد المدة المخصصة للتسجيل، آخرها عبر الرسائل النصية، إلا أن النتائج النهائية عكست حالة عزوف واضحة، لتبدو الانتخابات المحلية وكأنها استحقاق باهت لا يحظى بإجماع أو اهتمام واسع من الليبيين، المفوضية الوطنية العليا للانتخابات حاولت، بدعم من المجتمع الدولي، أن تضخ الحياة في العملية الديمقراطية على مستوى البلديات، لكن التجاوب ظل محدودًا، ما يطرح تساؤلات حول مدى فاعلية المؤسسات المحلية في ظل الانقسامات السياسية، وانتشار الفساد، وهيمنة الميليشيات على العديد من المناطق. وبينما تنتهي مرحلة التسجيل، يبقى مستقبل الاستحقاقات الانتخابية في ليبيا رهيناً بمصير الانقسام السياسي، وثقة الشارع في جدوى أي عملية ديمقراطية، ما لم تتغير البيئة الحاكمة برمتها.
تمديد لم ينجح
أنهت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا المرحلة الثانية من تسجيل الناخبين للمجالس البلدية، بإغلاق سجل الناخبين بعد تمديد ثالث أخير لم ينجح في رفع نسب المشاركة، والتي بقيت متدنية للغاية مقارنة بتعداد السكان. ففي وقت تُعدّ فيه الانتخابات المحلية إحدى ركائز إعادة بناء الدولة الليبية، بدت أرقام التسجيل بعيدة عن توقعات المنظمين، وهو ما يعكس عمق أزمة الثقة بين الليبيين ومؤسساتهم السياسية والإدارية.
بحسب البيانات الرسمية، بلغ عدد المسجلين 521,987 شخصًا، موزعين على 62 مجلسًا بلديًا في أنحاء البلاد، من بينهم طرابلس وبنغازي والزاوية وسبها. وعلى الرغم من حجم المدن المشمولة، لم تتجاوز نسبة المشاركة المسجلة حاجز 7% من عدد السكان، وهو ما يعتبره كثير من المراقبين مؤشرًا على تراجع الحماسة الشعبية للعملية الانتخابية برمتها.
ويُعزى هذا العزوف، بحسب محللين، إلى مزيج من الإحباط السياسي والتجارب السابقة الفاشلة في الإدارة المحلية، حيث تعاني معظم المجالس البلدية من شلل إداري، وتدخلات قبلية، وهيمنة سلاح الميليشيات، مما أفقدها ثقة المواطنين وقدرتها على إحداث أي تغيير فعلي.
انعدام الأمل في التغيير
يرى المحلل السياسي الليبي إسماعيل الرملي أن ضعف الإقبال يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحالة الاستقطاب والانقسام المستمر في البلاد.
وأضاف - في حديثه لـ"العرب مباشر" - أن كثيرًا من الليبيين، لا سيما الشباب، يرون أن انتخابات البلديات غير قادرة على انتشال البلاد من أزماتها، خاصة في ظل غياب انتخابات تشريعية ورئاسية شاملة تعيد بناء الشرعية السياسية على أسس وطنية موحدة.
الرملي أكد أيضًا أن غياب الأمل في التغيير، وتكرار الإخفاقات في تفعيل المجالس البلدية المنتخبة سابقًا، ساهما في تراجع الحماسة الشعبية.
ويعتبر أن المواطن الليبي، الذي يعيش يوميًا أزمات اقتصادية وأمنية، لا يرى جدوى من التصويت لمجالس محلية عاجزة عن تحسين الخدمات أو فرض سلطة القانون.
جهود تحفيز محلية ودولية لم تُؤتِ ثمارها
رغم كل ذلك، لم تقف المفوضية الوطنية العليا مكتوفة الأيدي، إذ سعت بكل الوسائل إلى تشجيع المواطنين على المشاركة، من خلال فرق توعية ميدانية، وحملات إعلامية عبر القنوات المحلية، فضلًا عن دعوات صريحة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي رأت في هذه الانتخابات فرصة لتعزيز الاستقرار المحلي، وبناء مؤسسات قادرة على خدمة المجتمع، بعيدًا عن الصراعات الوطنية الكبرى.
لكن يبدو أن هذه الدعوات لم تجد آذانًا صاغية، في ظل أجواء عدم الثقة والتشكيك في أهلية المرشحين ونزاهة العملية الانتخابية.
شكوك تُحيط بالمرشحين وجدارتهم القانونية
زادت الأمور تعقيدًا بعد قرار المفوضية استبعاد 340 مرشحًا بسبب عدم استيفائهم الشروط القانونية، وهو ما فتح الباب لتساؤلات أوسع حول معايير اختيار المرشحين وآليات الرقابة على ملفاتهم.
كما أظهرت تحقيقات النيابة العامة أن 228 مرشحًا على الأقل متورطون في قضايا جنائية، صدرت بحق بعضهم أحكام إدانة، في حين يخضع آخرون لإجراءات قضائية لا تزال جارية، ما يُفاقم أزمة الشرعية والثقة في الاستحقاق المحلي.
إغلاق السجل لا يعني نهاية التساؤلات
ومع انتهاء فترة التسجيل، تدخل ليبيا مرحلة جديدة من الجدل حول أهمية المجالس البلدية، ومدى قدرتها على تمثيل مصالح المواطنين، خصوصًا في ظل غياب إطار سياسي جامع يوحّد المؤسسات ويُعالج الانقسامات القائمة.
وفي ظل ما تعانيه البلاد من شلل تشريعي، وتنازع الشرعية بين الحكومتين في الشرق والغرب، تبدو أي انتخابات جزئية كخطوة رمزية لا تلامس جوهر الأزمة الليبية، التي تحتاج إلى مصالحة وطنية شاملة، تسبقها إرادة حقيقية لإنهاء الفوضى السياسية والأمنية، قبل الحديث عن صناديق الاقتراع.