دبلوماسية على حافة التخصيب.. هل تنجح أوروبا في كبح نووي طهران؟

دبلوماسية على حافة التخصيب.. هل تنجح أوروبا في كبح نووي طهران؟

دبلوماسية على حافة التخصيب.. هل تنجح أوروبا في كبح نووي طهران؟
البرنامج النووي الإيراني

وسط غبار الأزمات الإقليمية وتصلب المواقف الدولية، تلوح في الأفق بارقة أمل خجولة تُعيد الملف النووي الإيراني إلى دائرة التحرك بعد شهور من الركود والتصعيد المتبادل، فالمحادثات بين طهران والترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) التي توقفت منذ انهيار مفاوضات فيينا، يبدو أنها تتهيأ للعودة – ولو بخطوات حذرة – إلى طاولة النقاش، الاتفاق المبدئي على استئناف الحوار النووي، دون تحديد زمان أو مكان، يكشف عن نوايا أوروبية لإعادة تنشيط المسار الدبلوماسي، في ظل انسداد سياسي إقليمي وقلق دولي متزايد من مستويات تخصيب اليورانيوم في إيران، وبين مساعي تجريب الأجواء ومخاوف التراجع إلى مربع التصعيد، تبدو الجولة المرتقبة اختبارًا مزدوجًا للنيات والقدرات، إذ يتواجه اللاعبون الرئيسيون مرة أخرى عند مفترق طرق حساس قد يفضي إما إلى صيغة تفاهم جديدة أو إلى تعقيد إضافي في واحدة من أعقد ملفات الشرق الأوسط النووية.

*مسار دبلوماسي*


في تطور لافت ضمن المشهد النووي المتقلب، كشفت مصادر إيرانية مطلعة عن اتفاق مبدئي بين طهران والترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا) لاستئناف المفاوضات النووية، بعد شهور طويلة من الجمود الذي أعقب انهيار محادثات فيينا.

هذه العودة المحتملة تأتي دون تحديد موعد رسمي، لكنها تحمل رمزية سياسية بالغة تعكس استعدادًا – ولو حذرًا – من الطرفين للانخراط مجددًا في مسار دبلوماسي كان قد فقد زخمه بالكامل منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018.

بحسب ما أوردته وكالة "تسنيم" الإيرانية، فإن المفاوضات المقبلة – في حال انعقادها – ستُجرى على مستوى مساعدي وزراء الخارجية، في إشارة إلى رغبة أوروبية واضحة في "جس النبض" قبل الانتقال إلى مستويات أعلى.

ويبدو أن الجانب الإيراني وفقًا لوكالة "تسنيم"، قابل هذا الطلب بنوع من الانفتاح، في ظل ضغوط اقتصادية داخلية وأجواء إقليمية شديدة التوتر، لا سيما بعد الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، التي دفعت نحو إعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية.

*أسباب التحرك الأوروبي*


التحرك الجديد من قبل الترويكا لا ينفصل عن مخاوف أوروبية متزايدة من تسارع برنامج التخصيب الإيراني، خاصة بعد التقارير المتتالية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أكدت تجاوز طهران لنسب تخصيب اليورانيوم المتفق عليها في اتفاق 2015، وبلوغها مستويات تُقارب العتبة العسكرية.

كما أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط – من مضيق هرمز إلى جنوب لبنان – تضيف أبعادًا أمنية ضاغطة على أوروبا، تجعلها أكثر إلحاحًا في احتواء أي تفلت نووي إيراني.

في المقابل، فإن طهران تدرك أن الوقت ليس في صالحها على المدى المتوسط، إذ تعاني من أزمة اقتصادية خانقة وعقوبات متصاعدة أثرت على بنيتها الإنتاجية والتجارية. ولذلك، فإن قبولها إعادة فتح باب النقاش، حتى وإن جاء ضمن شروطها الخاصة، قد يكون جزءًا من سياسة "التنفس التكتيكي" لا أكثر.

*عقبات تنتظر على الطاولة*


لكن هذا المسار ليس مفروشًا بالورود، بل تعترضه تحديات جوهرية، أبرزها إصرار إيران على الاحتفاظ بمكتسباتها النووية التي تحققت بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق، لا سيما في مجال التخصيب وتقليص نطاق التفتيش الدولي.

في المقابل، تُطالب العواصم الأوروبية بضمانات ملزمة لخفض مستويات التخصيب وتوسيع التعاون مع الوكالة الذرية، في ظل غياب الثقة المتبادلة وسوابق إخفاقات سابقة، بالإضافة أن المشهد الأميركي ليس بعيدًا عن التأثير، رغم غياب واشنطن رسميًا عن هذه الجولة، فالتباين بين الإدارة الأميركية وحلفائها الأوروبيين في طريقة التعامل مع الملف الإيراني ما يزال قائمًا، خاصة في ظل إدارة ترامب الثانية، التي تتبنى مقاربة أشد صرامة حيال طهران، وتعارض أي تسوية جديدة لا تشمل ملف الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي.

*سيناريوهات محتملة*


السيناريو الأقرب في حال نجاح هذه الجولة المبدئية، يتمثل في التوصل إلى صيغة "اتفاق مرحلي" أو "تفاهم جزئي" يجمّد بعض الأنشطة الإيرانية مقابل تخفيف محدود للعقوبات، على أن يُصار لاحقًا إلى توسيع التفاوض ليشمل ملفات أكثر تعقيدًا. 

أما في حال فشل اللقاءات التقنية، فإن التوتر قد يتفاقم مجددًا، خصوصًا إذا قررت طهران تسريع أنشطتها النووية كرد فعل.

وفي كل الأحوال، فإن المفاوضات المقبلة – إن حصلت – ستكون لحظة اختبار حقيقية لإمكانية إحياء الدبلوماسية النووية، أو إثبات أنها لم تعد تملك ما يكفي من أدوات الحياة.

*النوايا الحسنة*


من جانبه، يرى الدكتور محمد خيري، الخبير في الشؤون الإيرانية، أن عودة المفاوضات بين طهران والترويكا الأوروبية تمثل فرصة نادرة لإعادة التوازن إلى ملف شهد فترات طويلة من التصلب والتصعيد.
ويشير خيري في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن إيران باتت تدرك أن استمرار العزلة الاقتصادية والسياسية سيُضعف من موقعها الإقليمي، لا سيما بعد تداعيات الحرب الأخيرة مع إسرائيل والانكشاف الأمني في بعض مناطق نفوذها.

ويضيف خيري، أن الجانب الأوروبي يتحرك اليوم بدافع أمني أكثر منه اقتصادي، في محاولة لتفادي سيناريوهات الانفجار النووي أو توسع رقعة النزاع في الشرق الأوسط. لكنه يحذر في الوقت ذاته من أن طهران ستسعى إلى توظيف أي جولة تفاوضية لكسب الوقت وتثبيت مكتسباتها النووية، ما لم تتوافر ضمانات صارمة وإجراءات تحقق متوازنة. 

ويختم خيري بالتأكيد أن مستقبل الملف يتوقف على قدرة الطرفين على تحويل "النية الحسنة" إلى خطوات ملموسة على الأرض، بعيدًا عن لغة المراوغة والاشتراطات المتبادلة.