كابوس بالنسبة لنا.. عمال كأس العالم يروون معاناتهم داخل قطر
كشفت تقارير عن معاناة عمال كأس العالم داخل قطر وسط تعنت النظام
كشف عمال الفنادق المعتمدة لبطولة الفيفا فى قطر أنهم تعرضوا لأسوأ أنواع الاستغلال وسوء المعاملة فى قطر على أمل الحصول على رواتبهم، مؤكدين أن حمى العمل لأجل كأس العالم في قطر شابتها انتهاكات عمالية خطيرة، حسبما نقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تحقيق صحفي مع العمال.
وقالت الجارديان: "عندما يخطو مديرو الفيفا إلى الأسفلت في الدوحة في نوفمبر المقبل لبدء نهائيات كأس العالم 2022، ستكون محطتهم التالية هي تسجيل الوصول إلى أحد مجموعة الفنادق الفخمة في قطر، والتي تم بناؤها لتوفير أفخم ما يمكن، كخلفية لأكبر حدث رياضي على وجه الأرض"، إلا أنه قبل عام واحد يفصلنا عن المونديال فهناك وراء الكواليس فى هذه الفنادق حالات مأساوية يكشف عنها عمال الفنادق المهاجرون للكفاح من أجل لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة، أو من أجل أجر لا يتجاوز جنيه إسترليني في الساعة.
وقالت صحيفة الجارديان: إنها زارت سبعة من الفنادق المدرجة على موقع الفيفا للضيافة، حيث أجرت مقابلات ومحادثات مع أكثر من 40 عاملاً - تم توظيفهم بشكل مباشر ومن خلال مقاولين من الباطن للعمل بهذه الفنادق، وكشفت تصريحاتهم عن انتهاكات خطيرة لحقوق العمال وانخفاض الأجور، دون تسمية الفنادق لحماية هوية العمال الذين تحدثوا إلى الصحيفة البريطانية.
وبحسب الصحيفة البريطانية، قال العديد من العمال إنهم عملوا لساعات طويلة للغاية، ولم يحصل بعضهم على يوم عطلة واحد لمدة شهور، بينما كانوا يقضون أيامهم تحيط بهم أفخم البنايات دون حقوق لهم، وقال بعض العمال إنهم كانوا يقيمون في غرف مكتظة في معسكرات عمل خانقة، وأشار عدد من العمال إلى أنه تمت مصادرة جوازات سفرهم، وقال كثيرون إن أصحاب العمل لم يسمحوا لهم بتغيير وظائفهم.
وقالت "الجارديان": إن غرف الفنادق الفخمة المدرجة في قوائم الفيفا، والتي تفرض رسوما تصل إلى 820 جنيهًا إسترلينيًا في الليلة الواحدة، يخدم حولها عمال التدبير المنزلي أو الأمن أو خدمة صف السيارات أو التنظيف أو البستنة فى ظروف عمل سيئة، مؤكدين أنهم يتقاضون أقل من 1.25 جنيه إسترليني للساعة، كما تبين أن الكثيرين منهم يعملون بأقل من جنيه إسترليني واحد في الساعة.
وكشف العمال في تصريحاتهم لفريق الجارديان عن انتهاكات عديدة لقانون العمل القطري، ما يشير إلى أوجه قصور في إصلاحات العمل في قطر، على الرغم من وعود الدوحة المتكررة بوضع حد لظروف العمل التعسفية ونظام الكفالة الذي يعني أن العمال لا يمكنهم تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد دون موافقة صاحب العمل.
وبحسب الصحيفة، تؤكد تصريحات العمال وأقوالهم أن الفيفا أخفقت بشكل كبير في إجراء فحوصات أساسية على الفنادق التي حققت ورفعتها على قوائمها كمواقع مرشحة للضيافة، في انتهاك لسياسة حقوق الإنسان الخاصة به، والتي تتطلب منه منع الانتهاكات العمالية المرتبطة بعملياتها.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في حين أن معظم العمال الذين تحدثت إليهم كانوا يتلقون رواتب تتماشى مع الحد الأدنى الجديد للأجور، الذي دخل حيز التنفيذ في مارس 2021، فإن هذا الأجر لا يزال يعادل جنيهًا إسترلينيًا واحدًا للساعة بالإضافة إلى بدل صغير للطعام والمأكل.
وأكدت الصحيفة أنها اطلعت على قسائم دفع رواتب من عامل واحد يعمل مباشرة في فندق مدرج على كتالوج الفيفا، والتي تظهر أنه عندما تم تقديم الحد الأدنى للأجور، ارتفع أجره الأساسي البالغ 750 ريالًا (150 جنيهًا إسترلينيًا) إلى 1000 ريال (200 جنيه إسترليني) شهريًا، لكن البدلات بالنسبة للطعام أو النقل، على سبيل المثال، تم خصمها من نفس المبلغ، ما يعني أن راتبه ظل كما هو.
وفي تصريحاته للصحيفة البريطانية، قال العامل: "أحيانًا أسأل نفسي لماذا أتيت إلى هنا"، مضيفًا أن "كأس العالم شيء كبير ويستمتع به الجميع، لكن الطريقة التي يعاملوننا بها مشينة.. لقد سئمنا جميعًا منها".
وأشارت الصحيفة إلى أن تكلفة الليلة في غرفة عادية في الفندق أكثر مما يكسبه ذلك العامل "ديفيد" في الشهر، واصفة حاله بأن يئس خلال محاولاته لتغيير وظيفته، وذلك على الرغم من التشريع الحكومي الأخير الذي يسمح بذلك.
وقال ديفيد: إنه ما زال عالقًا، فقد حاول أصدقائي تغيير وظائفهم، لكن شركتنا ترفض السماح لهم بالرحيل"، و"علينا أن نقبله. فرئيسنا يفعل ما يشاء".
وكشفت الجارديان عن ساعات العمل الطويلة التي يقف فيها رانجيت، حارس الأمن، لمدة تصل إلى 11 ساعة، وأحيانًا 15 ساعة، ولا يتخطى أجره 80 بنسًا في الساعة، لدرجة أنه لم يتم من ادخار أي شيء خلال الثمانية أشهر الماضية، وذهب كل شيء نحو سداد الرسوم غير القانونية البالغة 1.300 جنيه إسترليني، والتي أجبروه على سدادها لوكيل التوظيف الذي ساعده في الحصول على الوطيفة، واصفًا ما حدث معه بأنه "عملية احتيال.. هنا يمتصون دمك".
ويؤكد الأغلبية أنهم شعروا بأنهم محاصرون بين مطالب أصحاب العمل والحاجة إلى كسب المال لعائلاتهم في بلدانهم، لدرجة أن بعض الفنادق قالت إنها لن تلتزم بتوفير رواتب ثابتة، وإنما ستمنح مكافآت للموظفين الذين سلموا جواز سفرهم، حيث يحتفظ أصحاب العمل بجوازات سفر العمال في قطر.
وقال عامل في أحد الفنادق: "لقد وقعنا في الفخ، ولا يمكننا الخروج منه".
وأشارت الجارديان إلى أنه مع توقع وجود 1.2 مليون مشجع خلال كأس العالم، لكن المشكلة أن الأمر كله سيكون على حساب هؤلاء العمال المساكين، لافتة إلى أن وكلاء العمل غالبًا ما يحصلون على رسوم ابتزازية وغير قانونية من العمال، مضيفة أنه حتى الموظفين يتقاضون أجورًا منخفضة للغاية.
واعتبرت الجارديان أن أسوأ الانتهاكات كانت من قبل العمال الذين تم توظيفهم من خلال مقاولين من الباطن، ولاسيما حراس أمن الفنادق وعمال الحدائق، حيث تجاوزت مدة عملهم الـ15 ساعة يوميًا، وإذا عمل أحدهم طوال الشهر دون انقطاع يكسب 2000 ريال (400 جنيه إسترليني)؛ وهو مبلغ أقل بكثير عما وعدوه به عندما سجل في الوظيفة في بلده.
وأضافت الصحيفة: أنه إذا اضطر العامل للحصول على إجازة ليوم واحد، فإن صاحب العمل سيخصمها من أجره بمقدار 50 ريالاً (10 جنيهات إسترلينية). كما صادرت شركاتهم جوازات سفرهم، وقال عامل من كينيا: "ربما يعتقدون أنه إذا كان لديك جواز سفرك، يمكنك الهروب إلى شركة أخرى"، مضيفًا: "ليس لدينا خيار آخر، لذلك نأخذ ما هو على الطاولة".
وأدانت الجارديان تجاهل الفيفا لوضع العمال على الرغم من إشراف فريقها على تلك الفنادق المدرجة على قوائمها، وعلى الرغم من تصريحات المتحدث باسم الفيفا، الذى قال في وقت سابق إن فريقًا مخصصًا كان ينفذ نظامًا للتدقيق والامتثال للشركات المشاركة في تسليم كأس العالم، بما في ذلك الفنادق، لضمان احترام حقوق العمال.
فيما قالت إيزوبيل آرتشر، المتخصصة في حقوق العمال في الخليج في مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان (BHRRC)، وهي مؤسسة خيرية مقرها في لندن، إن الفنادق يجب أن تعترف بمسؤولياتها تجاه جميع العمال، بما في ذلك أولئك الذين يعملون من خلال مقاولين من الباطن.
وأضافت: "إذا بذلت الفنادق التجارية المشهورة نصف الجهد في التدقيق في ممارسات العمل لمورديها أثناء قيامهم بارتفاع مكاتب الاستقبال أو كثافة وسائد غرف الضيوف، فسنرى تغييرًا تحويليًا لعمال الفندق".
كما كشف تقرير صادر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان هذا العام، الأدلة الدامغة على انتشار استغلال عمال الفنادق في قطر، مشددًا على ضرورة أن يكون ذلك "خطًا أحمر" لفرق كرة القدم والمشجعين والشركات الراعية.