واشنطن وطهران تعودان إلى الطاولة.. محادثات هادئة تحت تهديد التصعيد
واشنطن وطهران تعودان إلى الطاولة.. محادثات هادئة تحت تهديد التصعيد

شهدت سلطنة عمان جولة من المحادثات بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين وصفتها الجهتان بأنها كانت "إيجابية" و"بنّاءة"، في خطوة تهدف إلى احتواء التصعيد المتزايد المرتبط بالبرنامج النووي الإيراني، في وقت لوّح فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستخدام القوة العسكرية في حال عدم التوصل إلى اتفاق، حسبما نقلت وكالة "رويترز" الإخبارية الدولية.
وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي -في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي-: إن هناك تقاربًا كبيرًا بين الطرفين حول قاعدة مشتركة للتفاوض، معربًا عن أمله في التوصل إلى هذه القاعدة خلال الأسبوع المقبل، مما سيفتح الباب أمام مفاوضات فعلية.
وأكد عراقجي، أن المحادثات التي جرت مع إدارة ترامب، بما فيها فترة ولايته الأولى (2017-2021)، جرت في أجواء وصفها بأنها "هادئة ومنتجة وإيجابية"، مشيراً أن الطرفين اتفقا على عقد جولة جديدة من المحادثات يوم السبت المقبل.
وأوضح أن الهدف المشترك هو التوصل إلى اتفاق في وقت قصير، مضيفًا أن طهران لا ترغب بإجراء محادثات لمجرد المحادثة.
محادثات إيجابية
من جانبها، وصفت البيت الأبيض المحادثات التي شارك فيها مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، وسفيرة الولايات المتحدة في سلطنة عمان آنا إسكروجويما، إلى جانب عراقجي، بأنها "إيجابية وبنّاءة للغاية".
وأكد بيان صادر عن الإدارة الأميركية، أن هذه القضايا شديدة التعقيد، وأن التواصل المباشر مع الجانب الإيراني شكّل خطوة نحو التوصل إلى نتيجة مفيدة للطرفين، مشيرًا أن الطرفين اتفقا على الاجتماع مجددًا في الأسبوع التالي.
وفي تعليق على المحادثات، قال الرئيس ترامب للصحافيين، مساء السبت، إنه يرى أن الأمور تسير بشكل جيد، إلا أنه تحفظ عن تقديم تفاصيل، مؤكدًا أنه لا يهم ما يُقال ما لم يتم إنجاز الاتفاق فعليًا.
وكان ترامب قد أعلن، بشكل مفاجئ يوم الإثنين الماضي، عن بدء محادثات بين واشنطن وطهران في سلطنة عمان، الدولة الخليجية التي لطالما لعبت دور الوسيط بين الغرب والجمهورية الإسلامية، وساهمت سابقًا في الإفراج عن عدد من المواطنين الأجانب ومزدوجي الجنسية المحتجزين في إيران.
محادثات غير مباشرة بتنسيق عماني
وبحسب ما أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، فقد جرت المحادثات بشكل غير مباشر بوساطة عمانية، كما طلبت إيران، حيث كان لكل وفد قاعة مستقلة، وتولى وزير الخارجية العماني نقل الرسائل بين الجانبين، بخلاف ما كان يفضله ترامب الذي طالب سابقًا بلقاءات مباشرة.
وذكر عراقجي، أن الوفدين الإيراني والأميركي التقيا لفترة وجيزة بعد انتهاء الجلسة التي استغرقت أكثر من ساعتين ونصف، حيث تبادل رؤساء الوفدين الحديث لدقائق بحضور وزير الخارجية العماني، واصفًا اللقاء بأنه جاء من منطلق "الإتيكيت السياسي".
وكشف مصدر عماني لوكالة رويترزؤ أن المحادثات تركز حاليًا على خفض التوترات الإقليمية، وتبادل السجناء، والتوصل إلى اتفاقات محدودة من شأنها تخفيف العقوبات المفروضة على إيران مقابل وضع قيود على برنامجها النووي، إلا أن المتحدث الإيراني بقائي نفى دقة هذه الرواية، دون أن يوضح ما الذي اعتبره غير صحيح.
خلفية التصعيد النووي والتوترات الإقليمية
يأتي هذا التحرك في وقت ما تزال فيه الهوة واسعة بين واشنطن وطهران بشأن ملف النووي، الذي ما زال محل خلاف مستمر منذ أكثر من عقدين.
فبينما تؤكد إيران أنها لا تسعى لتطوير أسلحة نووية، ترى القوى الغربية وإسرائيل أن طهران تعمل سرًا على بناء قدرات نووية يمكن استخدامها لصنع قنبلة ذرية.
وكان ترامب قد انسحب، خلال ولايته الأولى، من الاتفاق النووي الموقع في عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى، وأعاد فرض عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية ضمن سياسة "الضغط الأقصى" التي أعاد تفعيلها في فبراير الماضي.
ومنذ ذلك الحين، سجّل البرنامج النووي الإيراني تقدمًا كبيرًا، خاصة مع تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب فنيًا من المستوى اللازم لتصنيع سلاح نووي.
وترافقت هذه التطورات مع توترات متزايدة في الشرق الأوسط، حيث شنت إسرائيل عمليات عسكرية في عدة جبهات ضد جماعات حليفة لإيران، بما في ذلك ضربات جوية داخل الأراضي الإيرانية، منذ اندلاع حربها مع حركة حماس في أكتوبر 2023.
كما اشتعلت الساحة الإقليمية في لبنان، وغزة، والبحر الأحمر، حيث هاجم الحوثيون الملاحة الدولية، إضافة إلى انقلاب أطاح بالحكومة السورية.
الرهانات مرتفعة وخطر التصعيد قائم
ويرى مراقبون، أن هذه الجولة من المحادثات قد تسهم في تهدئة الوضع الإقليمي إذا ما أحرزت تقدمًا، إلا أن الفشل فيها سيعني مزيدًا من التصعيد وربما اندلاع نزاع إقليمي واسع، خصوصًا وأن إيران حذرت الدول المجاورة التي تستضيف قواعد أميركية من "عواقب وخيمة" إذا ما شاركت بأي هجوم أميركي محتمل.
وقال عراقجي -في تصريحاته للتلفزيون الإيراني-: إن هناك فرصة للتوصل إلى تفاهم أولي بشأن مواصلة المفاوضات، شريطة أن تدخل واشنطن المحادثات من منطلق المساواة.
ونقل مسؤول إيراني عن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، تأكيده على منح عراقجي "صلاحيات كاملة" في هذه المحادثات.
وأعادت إيران التأكيد على رفضها التفاوض بشأن قدراتها الدفاعية، خاصة برنامجها الصاروخي الباليستي، الذي تعتبره عنصرًا أساسيًا في منظومتها الدفاعية.
وتشير الدول الغربية أن مستوى تخصيب اليورانيوم الذي بلغته إيران تجاوز بكثير الاحتياجات المدنية المشروعة، وهو ما يعزز الشكوك بأنها تقترب من امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي.
وبالرغم من التفاؤل النسبي الذي أعقب جولة المحادثات الأخيرة، إلا أن المسافة بين الطرفين ما زالت كبيرة، وسط محاذير من أن إخفاق الحوار قد يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة على أمن المنطقة والعالم.