محاسب حزب الله.. كيف قاد رياض سلامة محافظ البنك المركزي لبنان إلى الهاوية؟
قاد رياض سلامة محافظ البنك المركزي لبنان إلى الهاوية
نهب البنوك اللبنانية، لم يكن بالشيء المفاجئ في لبنان كما كان بالنسبة للعالم، حيث عانت عشرات الأسر من عدم القدرة على سحب مدخراتها المقومة بالدولار الأميركي من البنوك، فلم يكن أمامهم وسيلة سوى سرقة البنوك والحصول على أموالهم، وكانت سالي حافظ أول من سرق أمواله من البنك، بمسدس زائف وعلبة بنزين، نجحت سالي في سرقة البنك في محاولة أخيرة لإنقاذ شقيقتها التي تعاني من ورم في الدماغ وتتلقى علاجها في تركيا.
وذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، أن هذا الحادث كان ضمن 8 حوادث أخرى، قام فيها عدد من المواطنين باسترداد أموالهم من البنوك، حيث رفض اللبنانيون تسمية الحوادث بالسرقة، مؤكدين أنهم يعملون على استرداد أموالهم المدخرة في البنوك والتي ترفض البنوك إعطاءها لهم في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تشهدها لبنان.
بداية الانهيار
وأكدت الوكالة الأميركية، أن لبنان شهدت سلسلة من الكوارث الكبرى بداية من انفجار مرفأ بيروت عام 2020 الذي أسفر عن مقتل 218 شخصًا على الأقل، ومع ذلك، كان في قلب الألم الانهيار المستمر للنظام المصرفي في البلاد، والذي دفع البنوك التجارية اللبنانية إلى فرض قيود صارمة على رأس المال وإبعاد المواطنين عن مدخرات حياتهم.
ووصف البنك الدولي الأزمة في لبنان بأنها من أكبر 10 أزمات على مستوى العالم، وأكبر 3 كوارث محتملة، وأشد الأزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وأوضحت الوكالة الأميركية أن مركز الأزمة هو مصرف لبنان المركزي ومحافظه رياض سلامة الذي يدير المكان منذ 30 عامًا فقط؛ ما يجعله الأطول في منصب محافظ البنك المركزي في العالم، وخلال معظم ذلك الوقت، ادعى أنه يناصر فلسفة مستقرة ومحافظة للسياسة النقدية، وترأس ما بدا أنه ازدهار حيث تحولت أجزاء من العاصمة من ساحات معارك مزقتها الحرب الأهلية إلى شوارع أنيقة تصطف على جانبيها مطاعم راقية، ولسنوات عديدة، كانت شوارع بيروت الفاخرة مزدحمة بالسيارات الرياضية.
وتابعت: إنه لسوء الحظ، كان وراء عصر المال السهل ما وصفه البنك الدولي والقادة بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه مخطط بونزي، فعندما أصبحت الأوقات أكثر صعوبة، بدأ مصرف لبنان يكافح من أجل سداد ديونه، وبدأت البنوك التجارية في البلاد تتأرجح أيضًا، ولكسب الوقت، وزع سلامة بضع جولات من الائتمان الرخيص، لكنه توصل في النهاية إلى حل أكثر يأسًا، بالاعتماد على البنوك التجارية نفسها لسد ثغرات في احتياطياته النقدية، وعندما بدأ الناس يشعرون بالألم من ارتفاع تكاليف المعيشة، توقف هذا النظام أيضًا، وانهار النظام المالي.
فوضى اقتصاد لبنان
وأفادت الوكالة الأميركية بأن اقتصاد لبنان في حالة من الفوضى، حيث تجاوز معدل التضخم 170% العام الماضي، وتقول وكالات التصنيف الائتماني: إن هذا العام قد يكون أسوأ، حيث يمكن للمواطن اللبناني العادي الذي لديه أموال في البنك أن يقدم على خطوة الهجوم على البنك للحصول على أمواله، حيث تحول أفراد الطبقة الوسطى السابقين في بيروت إلى أشخاص يتسولون في الشارع.
وتابعت: إن عمليات السطو على الأغذية والأدوية الأساسية وحليب الأطفال وحفاضات الأطفال. تتزايد بقول، ويقول إبراهيم عبد الله، عضو جمعية صرخة المودعين، وهي مجموعة احتجاجية ساعدت شقيقات حافظ في التخطيط لسرقتهما: "لقد شرعوا في سرقة أموالنا، الناس هنا، تريد فقط البقاء على قيد الحياة".
وقال سلامة، الذي رفض التعليق مرارًا وتكرارًا على هذه القصة، إنه سيترك منصبه في يوليو بدلاً من السعي لولاية أخرى مدتها ست سنوات، ويقول أحد المحللين الماليين، إن حديث محافظ البنك المركزي اللبناني قد لا تكون صحيحة، فهو كثير الكلام فقط وقليل الفعل".
وأشارت الوكالة إلى أن محافظ البنك المركزي اللبناني قد يكون مركز الأزمة الاقتصادية الكبرى، فهو متهم بالفساد، وفي مايو الماضي أصدر ممثلو الادعاء الفرنسي والألماني مذكرات توقيف بحقه فيما يتعلق بتحقيق امتد عبر ست دول.
وتشمل المزاعم شراء عقارات في تلك البلدان باستخدام ملايين الدولارات من الأموال العامة اللبنانية المسروقة. (قال سلامة إن الاتهامات لها دوافع سياسية ووصف المذكرة الفرنسية بأنها غير قانونية)، ومع ذلك، ظل سلامة في الداخل بمنأى عن المساس بشكل ملحوظ، لقد كان حراً في تدخين السيجار في مكتبه بينما تُركت الطبقة الوسطى المتلاشية للنظر في خياراتها، وكلهم يائسون.
ويقول نائب المحافظ السابق ناصر السعيدي: "سلامة ليس خبيرًا اقتصاديًا، لقد كان، خطيئة سلامة الأصلية كانت قراره عام 1997 بربط الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي؛ ما سمح باستخدام كلتا العملتين بالتبادل. بالنسبة لعشرات البلدان حول العالم، يجعل ربط العملة بالدولار الأميركي إجراء المعاملات المالية والتجارة الدولية أرخص، والتي تتم عادةً بالدولار الأميركي، ولكن من أجل الحفاظ على سعر الصرف الثابت هذا، سيحتاج لبنان إلى الكثير من الدولارات في جميع الأوقات".
محاسب المافيا
وأفادت وكالة "بلومبيرغ" بأن سلامة يُعدّ أقوى حليف لحزب الله، حيث أدى قربه من أمراء الحرب الذين تحولوا إلى سياسيين بين النخبة الحاكمة في لبنان تقريبًا إلى أن يشير كل من تمت مقابلتهم من أجل هذه القصة إليه على أنه "محاسب المافيا".
كتب جيفري فيلتمان، سفير الولايات المتحدة في لبنان، في برقية دبلوماسية عام 2007 نشرها لاحقًا موقع ويكيليكس، هناك شيء ما غريب بشأن محافظ البنك المركزي اللبناني"، بحلول ذلك الوقت، كان سلامة قد حظي بتأييد الولايات المتحدة وكان يزور واشنطن ودمشق لعقد اجتماعات إستراتيجية حول الترشح المحتمل لرئاسة لبنان.
وأوضحت الوكالة، أن بعض الوثائق السرية الدولية، كشفت أن سلامة كان يسعى لأن يكون رئيس لبنان، ولكن يبدو أن الأمر لم يجد أي ترحيب دولي، خصوصًا مع سمعة سلامة المشكوك فيها واتهامات الفساد التي تطارده.
وتابعت: إنه بحلول عام 2018، كان مصرف لبنان ينشئ أصولًا من فراغ، حيث كشف تقرير تدقيق من ذلك العام، تم تسريبه لاحقًا على نطاق واسع، عن بعض محاسبة سلامة الإبداعية، والجدير بالذكر أنه عيّن قيمة مالية سنوية للاستقرار المالي للبنان على المدى الطويل، أطلق عليها اسم "الأقدمية"، ثم أضافها كرصيد في الميزانية العمومية للبنك، وتجاهل سلامة اللوم عن الأزمة المالية في خطاب متلفز في العام التالي.
في يونيو 2021، استقل سلامة طائرة خاصة إلى مطار صغير في شمال باريس، عندما وصل، أخبر مسؤولي الجمارك أنه كان يحمل 15 ألف يورو (16100 دولار) في رحلة للقاء مصرفيين لبنانيين يعملون في فرنسا، لكن أثناء تفتيش حقائبه، اكتشف المسؤولون أكوامًا من الأوراق النقدية وأثيرت شكوكهم، وفقًا لتقرير للشرطة سُرب لاحقًا إلى صحيفة الأخبار اللبنانية، ووجدوا أن سلامة يحمل ما يقرب من 91 ألف يورو.
وعندما سأله مسؤولو الجمارك عن سبب احتواء حقائبه على الكثير من الأموال غير المصرح بها، قال لهم: "لقد نسيت أنها كانت هناك". بعد عدة ساعات من الاستجواب، دفع غرامة قدرها 2700 يورو واستمر في دفع المبلغ المتبقي.
فوضى لبنان
وأكدت الوكالة الأميركية أنه بالنسبة للعديد من اللبنانيين العاديين، الأمور سيئة بالفعل وفوضوية وتزداد سوءًا، فلم تعد مصابيح شوارع بيروت مضاءة ليلاً، لأن مرافق الكهرباء الحكومية منخفضة في الوقود والأموال.
كان لبنان بلا رئيس منذ استقالة عون في أكتوبر وبدت الحكومة مشلولة أكثر، لكن هذه الفوضى تركت أيضًا مجالًا للأبطال الشعبيين، من أجل اقتناص أموالهم من جيوب النخبة اللبنانية التابعة لحزب الله التي يبدو أنها تخطط لإسقاط لبنان في فخ الفوضى السياسية والاقتصادية.