المدينة الإنسانية التي تخفي مشروعًا للتهجير.. موراغ تكشف النوايا

المدينة الإنسانية التي تخفي مشروعًا للتهجير.. موراغ تكشف النوايا

المدينة الإنسانية التي تخفي مشروعًا للتهجير.. موراغ تكشف النوايا
تهجير الفلسطينيين

بينما يترقب العالم إعلان اتفاق هدنة شامل في غزة، تظهر "موراغ" كمفترق طرق مصيري، يُهدد بتقويض المفاوضات المعقّدة التي تُدار خلف أبواب مغلقة، فالممر العسكري الواقع جنوب خان يونس تحوّل من مجرد موقع جغرافي إلى رمز لخطة إسرائيلية أوسع نطاقًا، تُعيد تشكيل جنوب القطاع سياسيًا وديموغرافيًا، في الوقت الذي تتبادل فيه الوفود خرائط الانسحاب وخطط تبادل الأسرى، تصرّ حكومة بنيامين نتنياهو على الاحتفاظ بهذا المحور، متمسكة باعتباره "فيلادلفيا الثانية"، لكنّه في الواقع أكثر من ذلك بكثير، إنه نقطة ارتكاز لخطة تهجير ناعمة، وتكريس لواقع جديد تحت غطاء "مدينة إنسانية" يُراد لها أن تستوعب مئات الآلاف من الفلسطينيين، بعيدًا عن الأنفاق والسلاح والسياسة، هذا التوتر المتصاعد حول محور موراغ ليس تفصيلاً عسكريًا، بل صراع على مستقبل غزة وحدود الحرب والسلام القادمة.

*موراغ.. اسم جديد لواقع قديم*

في قلب التعثر الحالي الذي يواجه مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، برز اسم "محور موراغ" باعتباره العقبة الأكثر تعقيدًا، إن لم تكن الوحيدة المتبقية، التي تحول دون إتمام الصفقة الشاملة المنتظرة.

فوفق ما كشفته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، فإن الوفد الإسرائيلي المفاوض يتمسك بشدة ببقاء جيشه في هذا المحور الجنوبي من قطاع غزة، على تخوم مدينة رفح، رغم التقديرات العسكرية التي ترى أن الانسحاب منه لن يُخل بتوازن القوة.

محور موراغ ليس جديدًا على الخريطة العسكرية الإسرائيلية، لكنه اكتسب أهميته الاستثنائية عندما وصفه نتنياهو بـ"فيلادلفيا الثاني"، في إشارة إلى ممر فيلادلفيا الشهير الذي طالما شكّل شريانًا للأنفاق بين غزة ومصر.

ولكن بخلاف سابقه، لا يتمحور الصراع هذه المرة حول التهريب، بل حول مشروع سياسي-سكاني يحاول أن يعيد رسم المشهد الديموغرافي جنوب القطاع.

*أهداف السيطرة*


ترتبط السيطرة على محور موراغ برؤية أمنية وسياسية إسرائيلية تُراد لها أن تكون دائمة، ولو ضمن غلاف "المرحلة الانتقالية".

بحسب المحلل رونين بيرغمان، فإن تمسك نتنياهو بهذا المحور هو جزء من وثيقة رسمية صدرت في يوليو الماضي، تُعرف داخليًا بـ"وثيقة التوضيح"، وقد وُصفت من قبل قيادات في الجيش بأنها "ملطخة بدماء" الرهائن الذين قتلوا في نفق رفح، ما يجعل التراجع عنها سياسيًا مكلفًا لنتنياهو.

إسرائيل لا تُخفي طموحها بإنشاء ما تسميه "مدينة إنسانية" جنوب رفح، وهي عبارة عن مجمع سكني ضخم يُفترض أن يضم نحو 600 ألف فلسطيني من مختلف مناطق القطاع.

لكن هذا المشروع لا يبدو إنسانيًا بالمطلق، بل أقرب إلى مشروع عزل ديموغرافي، يتم فيه فصل السكان عن حركة حماس أولاً، ثم عن القطاع كله لاحقًا، في خطة تحاكي منطق "الترحيل الهادئ"، وتكمن خطورة هذا التوجه في كونه لا يُناقش فقط كخطة عسكرية، بل كمسألة تفاوضية ذات طابع نهائي.

*التهجير الثالث*


في هذا السياق، نقلت "هآرتس" أن نتنياهو يشترط بقاء السيطرة الإسرائيلية على محور موراغ طوال فترة وقف إطلاق النار التي قد تمتد لـ60 يومًا، وهو مطلب مدعوم من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يرى أن هذا الممر ضروري لتنفيذ خطة "تجميع الفلسطينيين".

ووفقًا لمصادر مقربة من المفاوضات في الدوحة، فإن هذا الإصرار هو ما يعيق التوصل إلى اتفاق، خاصة في ظل معارضة متزايدة من المؤسسة العسكرية، وعلى رأسها رئيس الأركان الجنرال إيال زامير.

لا تخفي إسرائيل نيتها بفرض نوع من "الحكم العسكري المؤقت" في رفح، وهي خطة كشف عنها مسؤول سياسي رفيع خلال جولة نتنياهو الأخيرة، مشيرًا أن إسرائيل "قد تتحمل مسؤولية الحياة في رفح"، على الأقل مرحليًا.

هذا التصريح يعيد إلى الأذهان مشاريع التهجير القديمة، ويمنح مصداقية لتقارير تتحدث عن استعدادات إسرائيلية لدفع سكان القطاع إلى "دولة ثالثة"، وهي الخطة التي تعود جذورها إلى إدارة ترامب، لكنها تتخذ الآن شكلاً واقعيًا على الأرض.

ومن زاوية تفاوضية، فإن الإصرار على موراغ لا يبدو نابعًا فقط من دوافع أمنية، بل يُراد منه أيضًا إرضاء أطراف يمينية داخل الحكومة، تحاول استثمار أي صفقة قادمة لضمان مستقبل السيطرة على القطاع بعد الحرب، وهذا ما يجعل النزاع حول هذا المحور "حجر الزاوية" في مفاوضات معقدة ومفتوحة على كل الاحتمالات.