اتفاق غزة بين الأمل والمأزق.. خطة ترامب تواجه اختبار التنفيذ الميداني
اتفاق غزة بين الأمل والمأزق.. خطة ترامب تواجه اختبار التنفيذ الميداني

بينما أثار مشهد الإفراج المتبادل عن الأسرى والرهائن بين إسرائيل وحماس موجة من الفرح والارتياح في الشارعَين الفلسطيني والإسرائيلي، فإن تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما تزال تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبله واستدامته.
وأكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن التحديات الجوهرية تواجه الخطة الأمريكية الجديدة، التي توصف بأنها تكرار محتمل لفشل اتفاق أوسلو في تسعينيات القرن الماضي.
الانسحاب الإسرائيلي
بحسب ما ورد في نص الاتفاق، بدأت إسرائيل بسحب قواتها من المدن الكبرى في قطاع غزة إلى ما أُطلق عليه "الخط الأصفر"، الذي يجعلها تسيطر فعليًا على نحو 53% من أراضي القطاع.
ومن المفترض أن يتم الانسحاب الكامل على مرحلتين لاحقتين: الأولى بعد نشر قوة دولية لتحقيق الاستقرار، والثانية نحو منطقة عازلة دائمة لأغراض أمنية.
لكن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توحي بعكس ذلك، إذ أكد أن قوات الجيش الإسرائيلي ما زالت منتشرة بعمق داخل أراضي غزة وتسيطر على النقاط الاستراتيجية كافة.
ويرى محللون، أن غياب الضغوط الفعلية على إسرائيل يجعل فرص انسحابها الكامل ضعيفة، مشيرين إلى تجارب سابقة مثل احتلال الجولان السوري أو استمرار القصف في جنوب لبنان رغم الهدنة هناك.
نزع سلاح حماس
يعدّ نزع سلاح حركة حماس أحد الركائز الأساسية في الخطة الأمريكية، إلا أن قادة الحركة أكدوا رفضهم القاطع لهذا المطلب.
وأوضح مسؤول بارز في حماس، أن تسليم السلاح "غير مطروح للنقاش"، معتبرًا أن المقاومة المسلحة حق مشروع ما دامت الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال.
وتظهر الصور التي التُقطت بعد الإعلان عن الهدنة وجود مقاتلين مسلحين في بعض مناطق غزة، ما يشير إلى محاولة الحركة إعادة فرض نفوذها الميداني.
وتبقى الأسئلة قائمة حول آلية تنفيذ هذا البند، إن تم الاتفاق عليه، إذ لم توضح واشنطن أو الأطراف الوسيطة كيفية تطبيق عملية نزع السلاح أو من الجهة التي ستشرف عليها.
السيناريوهات المطروحة، مثل إنشاء مواقع مخصصة لتسليم الأسلحة تحت إشراف مصري أو دولي، تبدو غير واقعية في ظل انعدام الثقة بين الأطراف.
القوة الدولية لتحقيق الاستقرار
تنص الخطة الأمريكية على إنشاء قوة دولية مؤقتة تحت مسمى "قوة الاستقرار الدولية"، تتشكل من دول عربية وشركاء دوليين، وتُعدّ الحل الأمني الداخلي الدائم في غزة.
لكن الأسئلة المطروحة كثيرة: هل ستحصل هذه القوة على تفويض من الأمم المتحدة؟ وما حدود صلاحياتها؟ وهل ستملك القدرة على فرض الأمن ومنع أي طرف من خرق الاتفاق؟
دبلوماسيون غربيون أبدوا تشككهم في فعالية هذه القوة، مؤكدين أنها قد تكون رمزية أكثر منها عملياتية، كما حدث في جنوب لبنان حيث لم تتمكن قوات حفظ السلام من ردع الانتهاكات.
إعادة إعمار غزة
وعد البيت الأبيض بإطلاق خطة لإعادة إعمار غزة تستند إلى مقترحات استثمارية وتنموية متعددة، لكن الخبراء يشككون في إمكانية تنفيذها بالسرعة الموعودة. فحجم الدمار هائل، والتجارب السابقة، ولا سيما بعد حرب 2014، أثبتت أن إعادة الإعمار كانت بطيئة للغاية ومقيدة بإجراءات بيروقراطية صارمة.
ويخشى الفلسطينيون أن تُفرض قيود إسرائيلية مشددة على دخول مواد البناء تحت ذريعة منع استخدامها في أغراض عسكرية، ما قد يؤدي إلى ظهور سوق سوداء كما حدث في السابق، ويعطل مسار الإعمار الحقيقي.
الحكم الانتقالي في غزة
من أبرز الانتقادات الموجهة للخطة الأمريكية غياب أي دور فعلي للفصائل الفلسطينية المدنية في إعدادها. فالحكومة الانتقالية المقترحة تشمل شخصيات دولية مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بينما تغيب عنها القيادات الفلسطينية ذات المصداقية الشعبية.
وترفض إسرائيل منح السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس أي دور مركزي، بينما يُنظر إلى السلطة على نطاق واسع داخل غزة باعتبارها فاقدة للشرعية.
كما ترفض إسرائيل إشراك أي شخصيات تنتمي إلى حماس أو حتى مقربة منها في المرحلة الانتقالية، وهو ما قد يعيد سيناريو الإقصاء السياسي الذي حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حين أدى استبعاد البعثيين إلى الفوضى والعنف الطائفي.
مستقبل العملية السياسية
يرى مراقبون، أن الخطة الأمريكية تفتقر إلى رؤية واضحة للحل السياسي النهائي أو لآلية تحقيق دولة فلسطينية مستقلة. فالاتفاق، كما هو مطروح، يركّز على الترتيبات الأمنية المؤقتة دون معالجة جذور الصراع مثل قضايا الحدود واللاجئين والسيادة.
ويحذر خبراء من أن غياب مسار مصالحة وطنية فلسطينية شاملة سيجعل أي اتفاق هشًّا وقابلًا للانهيار في أي لحظة، ما لم يُبنَ على أساس تمثيل سياسي شامل يضمن مشاركة جميع القوى الفلسطينية.