العدو الخفي يحرق إيران من الداخل.. حرب الظل تعود من بوابة الموانئ والمصانع
العدو الخفي يحرق إيران من الداخل.. حرب الظل تعود من بوابة الموانئ والمصانع

وسط هدوء ما بعد العاصفة التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، تتصاعد ألسنة اللهب من الداخل الإيراني مجددًا، ولكن هذه المرة ليس في ميادين المعارك، بل في الموانئ والمصانع والأسواق، حرائق غامضة اندلعت خلال أيام متتالية، التهمت منشآت تجارية ونفطية في شمال البلاد ووسطها، ما أعاد إلى الواجهة تساؤلات قديمة حول "العدو الخفي" الذي يعبث بالبنية التحتية الإيرانية من الداخل، اللافت هذه المرة أن التصريحات جاءت على لسان مسؤولين إيرانيين بارزين نقلتها صحيفة نيويورك تايمز، تحدثوا فيها بصراحة نادرة عن "أعمال تخريبية متعمدة"، لمّحوا إلى أن إسرائيل تقف وراءها، وبينما تحاول طهران التماسك بعد موجة التصعيد العسكري الأخيرة مع تل أبيب، تبدو وكأنها تخوض جولة موازية من الحرب، بصيغة استخباراتية خفية، فهل انتقلت المعركة من السماء إلى المستودعات، وهل باتت إيران تخشى أكثر من الداخل مما يتهددها من الحدود؟
*أعمال تخريبية متعمدة*
في سلسلة أحداث متلاحقة ومثيرة للقلق، اشتعلت النيران في عدد من المنشآت الاقتصادية والتجارية الإيرانية، خلال الأيام القليلة الماضية، لتفتح باب التساؤلات مجددًا حول طبيعة هذه الحرائق، وهل هي حوادث عرضية، أم جزء من استراتيجية أوسع تستهدف إضعاف الداخل الإيراني في مرحلة ما بعد "حرب الـ12 يومًا" مع إسرائيل؟
مسؤولون إيرانيون، تحدثوا لصحيفة نيويورك تايمز شريطة عدم الكشف عن هويتهم، أكدوا أن بعض هذه الحرائق ليست عرضية، بل ناتجة عن "أعمال تخريبية متعمدة"، منسوبة إلى جهات معادية تعمل من داخل البلاد.
وبرغم تحفظهم على تسمية جهة محددة، إلا أنهم لم يستبعدوا ضلوع إسرائيل، في سياق ما بات يُعرف بـ"الحرب الرمادية" بين تل أبيب وطهران.
وكان آخر هذه الحرائق قد اندلع في مجمع تجاري ضخم في المنطقة الحرة بميناء أنزلي شمالي البلاد، الثلاثاء الماضي، ما استدعى تدخلًا عاجلًا من وحدات الإطفاء.
سبقه بيوم حريق هائل في مصنع للمنتجات النفطية قرب مدينة أصفهان، أحد أهم مراكز الإنتاج الصناعي والطاقة في إيران.
وما تزال السلطات تحقق في أسباب هذه الحوادث، التي تكررت بشكل لافت، من دون إعلان نتائج حاسمة.
*استراتيجية قديمة*
لكن خلف هذه التصريحات والتحقيقات تكمن قراءة سياسية وأمنية أعمق، فإيران التي خرجت لتوّها من مواجهة عسكرية مباشرة وغير مسبوقة مع إسرائيل، تلقت خلالها ضربات جوية على منشآتها النووية قُتل فيها قادة كبار وعلماء، تجد نفسها أمام نمط جديد من الهجمات، غير معلن رسميًا، ولا يعترف به أحد، لكنه يترك آثارًا مدمرة في العمق الإيراني.
هذه الاستراتيجية لا تبدو جديدة بالكامل، فقد سبق أن اتُهمت إسرائيل في السنوات الماضية بتنفيذ عمليات مشابهة، تضمنت تفجيرات غامضة في مواقع حساسة، واغتيالات طالت شخصيات نووية وعسكرية بارزة داخل إيران، غالبًا بواسطة خلايا نائمة أو تقنيات عالية الدقة، لكن تكرار الحرائق في مواقع مدنية وصناعية يشير إلى تحوّل نوعي في طبيعة الأهداف والأساليب.
وفي سياق التوتر المستمر، تبرز أهمية الربط بين هذه الحوادث ونتائج الحرب الأخيرة. فقد بدأت الجولة العسكرية في 13 يونيو، حين شنت إسرائيل هجمات جوية مفاجئة استهدفت منشآت نووية إيرانية، وردّت طهران بقصف صاروخي على أهداف إسرائيلية، وصولًا إلى دخول الولايات المتحدة على الخط في 22 يونيو، عندما قصفت منشآت نووية إيرانية، ما دفع طهران إلى الرد بإطلاق صواريخ ومسيرات على القواعد الأميركية في العراق والخليج.
انتهى التصعيد فجأة في 25 يونيو، ببيان غير متوقّع من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن فيه وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، ورغم تهدئة الجبهات العسكرية، يبدو أن الجبهة الداخلية الإيرانية لم تنعم بالهدوء ذاته، بل باتت ساحة لحرب من نوع آخر.
في هذا السياق، يرى محللون، أن إسرائيل قد تلجأ، في ظل معادلة الردع النووي الجديدة، إلى ما يسمى بـ"الضغط الداخلي طويل الأمد"، عبر توسيع رقعة العمليات السرية داخل إيران لإرباك السلطات وإظهار هشاشتها.
ويصبّ ذلك في سياق أوسع من الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية التي تتعرض لها طهران، بهدف تقويض نفوذها الإقليمي.
من جهة أخرى، لا يمكن فصل هذه الأحداث عن التصدعات المتزايدة في الداخل الإيراني، سواء من جهة الاقتصاد المنهك، أو الغضب الشعبي من أداء الحكومة، أو هشاشة البنى التحتية.
من جانبه، يرى الدكتور محمد محسن، الخبير في الشأن الإيراني والمقيم في لندن، أن سلسلة الحرائق الأخيرة داخل إيران لا يمكن فصلها عن سياق المواجهة المستمرة بين طهران وتل أبيب، والتي انتقلت تدريجيًا من نمط الضربات العسكرية المباشرة إلى شكل أكثر تعقيدًا واستنزافًا.
ويوضح محسن في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن "الحرب بين إيران وإسرائيل باتت متعددة الطبقات، وتشمل ضربات سيبرانية، وعمليات استخباراتية دقيقة، وتخريبًا ممنهجًا للبنية التحتية، يتم تنفيذه أحيانًا عبر شبكات محلية أو طائرات مسيّرة يصعب رصدها".
ويضيف أن إيران تدرك جيدًا أنها تخوض مواجهة مفتوحة، وأن بعض مؤسساتها الحيوية باتت أهدافًا سهلة بسبب ضعف الإجراءات الأمنية أو اختراقات داخلية، الأمر الذي يعكس تحديًا خطيرًا لأجهزة الأمن الإيرانية.
ويشير محسن، أن "اللافت في هذه الموجة من الحرائق أنها تستهدف منشآت غير عسكرية، بما في ذلك منشآت نفطية وتجارية، ما يؤكد أن الهدف ليس فقط شل قدرات إيران الدفاعية، بل زعزعة ثقة الشارع في قدرة الدولة على حماية مصالحه الاقتصادية والحياتية".
ويخلص إلى أن استمرار هذه العمليات دون رد واضح من طهران "سيعمّق الشعور بالعجز داخل النظام، ويزيد منسوب الضغط الشعبي والسياسي عليه في المرحلة المقبلة".
ويوضح محسن في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن "الحرب بين إيران وإسرائيل باتت متعددة الطبقات، وتشمل ضربات سيبرانية، وعمليات استخباراتية دقيقة، وتخريبًا ممنهجًا للبنية التحتية، يتم تنفيذه أحيانًا عبر شبكات محلية أو طائرات مسيّرة يصعب رصدها".
ويضيف أن إيران تدرك جيدًا أنها تخوض مواجهة مفتوحة، وأن بعض مؤسساتها الحيوية باتت أهدافًا سهلة بسبب ضعف الإجراءات الأمنية أو اختراقات داخلية، الأمر الذي يعكس تحديًا خطيرًا لأجهزة الأمن الإيرانية.
ويشير محسن، أن "اللافت في هذه الموجة من الحرائق أنها تستهدف منشآت غير عسكرية، بما في ذلك منشآت نفطية وتجارية، ما يؤكد أن الهدف ليس فقط شل قدرات إيران الدفاعية، بل زعزعة ثقة الشارع في قدرة الدولة على حماية مصالحه الاقتصادية والحياتية".
ويخلص إلى أن استمرار هذه العمليات دون رد واضح من طهران "سيعمّق الشعور بالعجز داخل النظام، ويزيد منسوب الضغط الشعبي والسياسي عليه في المرحلة المقبلة".