الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة المجهول.. تأثيرات الحرب وصدمات التضخم
الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة المجهول.. تأثيرات الحرب وصدمات التضخم
يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات متزايدة مع استمرار الحرب الشرسة التي تشنها تل أبيب ضد قطاع غزة، حيث تباطأ نمو الاقتصاد الإسرائيلي بشكل ملحوظ في الربع الثاني من العام.
البيانات الأخيرة كشفت عن أرقام أقل تفاؤلاً مقارنة بالتقديرات الأولية، وهو ما يضع الاقتصاد الإسرائيلي تحت ضغوط متزايدة. وبينما ما يزال التضخم يتصاعد، يبقى مستقبل السياسة النقدية غامضاً مع تزايد التساؤلات حول إمكانية خفض سعر الفائدة في المستقبل القريب.
*تباطؤ النمو الاقتصادي*
وفقًا للتقديرات الأخيرة التي صدرت عن المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل، نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7٪ على أساس سنوي خلال الربع الثاني من العام 2024 (أبريل – يونيو)، هذا الرقم جاء أقل من التقدير الأولي الذي أشار إلى نمو بنسبة 1.2٪.
يرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع مستويات التضخم وتباطؤ الصادرات، رغم استمرار الدعم الذي قدمه الإنفاق الحكومي والخاص إلى الاقتصاد، بالإضافة إلى الاستثمار في الأصول الثابتة.
الاقتصاد الإسرائيلي كان قد شهد تحسنًا طفيفًا في الربع الأول من هذا العام بنسبة 17.2٪ بعد انكماش حاد في الربع الأخير من العام 2023، وهو الوقت الذي بدأت فيه الحرب. ومع ذلك، فإن تعافي الاقتصاد ما يزال هشًا ومتأثراً بالتحديات التي تفرضها الحرب المستمرة منذ 11 شهراً.
*التضخم يفوق التوقعات*
تجاوز التضخم في إسرائيل التوقعات، حيث ارتفع بنسبة 3.6٪ في أغسطس 2024 مقارنةً بنفس الشهر من العام السابق. هذا المعدل تجاوز بشكل كبير توقعات السوق التي كانت عند 3.2٪، كما أنه أعلى بكثير من المعدل المستهدف من قبل الحكومة والذي يتراوح بين 1٪ و3٪. ارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الخضروات الطازجة، وعلى رأسها الطماطم، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الإسكان وزيادة تكلفة السفر، كانت من أبرز العوامل التي أدت إلى هذا التضخم المرتفع.
بنك إسرائيل المركزي، الذي أبقى على سعر الفائدة عند 4.5٪ للمرة الخامسة على التوالي في أواخر أغسطس، يجد نفسه في موقف صعب، حيث أشارت تقارير صادرة عن مسؤولين بالبنك، إلى أن خفض الفائدة ليس مرجحاً قبل العام المقبل.
التضخم المتزايد يزيد من الضغوط على البنك لاتخاذ قرارات صعبة فيما يتعلق بالسياسة النقدية، خاصة في ظل مخاوف من أن استمرار ارتفاع الأسعار قد يضطر البنك إلى تمديد فترة عدم التيسير النقدي.
*معوقات خفض الفائدة*
يتباين الوضع في إسرائيل مقارنةً مع اقتصادات أخرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث تشير بعض التقارير إلى أن خفض الفائدة قد يكون مؤجلاً لفترة أطول في إسرائيل.
من جانبها، أشارت زالينا ألبوروفا، خبيرة اقتصادية في باركليز، إلى أن التضخم المرتفع، إلى جانب الغموض المستمر بشأن الوضع الجيوسياسي والميزانية، قد يؤدي إلى تأجيل التيسير النقدي حتى النصف الثاني من عام 2025.
في حين، يرى ميشيل نيس، الخبير الاقتصادي في سيتي بنك، أن العوامل المتعلقة بالمعروض، ولا سيما الارتفاع الحاد في أسعار بعض السلع والخدمات، قد تضع تساؤلات حول ما إذا كانت الخطوة التالية في السياسة النقدية ستكون خفض الفائدة. لكنه يشير إلى أن ذلك "لن يكون سهلاً" على بنك إسرائيل في ظل الظروف الراهنة.
*سوق العمل واستمرار الغموض*
رغم أن معدل البطالة استقر عند 2.6٪ في أغسطس، إلا أن سوق العمل في إسرائيل يشهد حالة من الضعف. هذا الضعف، إلى جانب السياسات المالية التوسعية التي تنتهجها الحكومة لتمويل الحرب المستمرة، يزيد من التحديات التي يواجهها البنك المركزي في محاولته لتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وكبح جماح التضخم.
تستمر الحكومة الإسرائيلية في الإنفاق بشكل كبير لتمويل الحرب، وهو ما يزيد من الضغط على ميزانية الدولة ويؤدي إلى تضخم مالي متزايد.
هذه السياسات التوسعية، رغم أنها قد تكون ضرورية لدعم الجهود العسكرية، إلا أنها تأتي بتكاليف اقتصادية كبيرة على المدى الطويل. الأوضاع السياسية والعسكرية المضطربة تساهم أيضًا في زيادة حالة عدم اليقين التي تعاني منها الأسواق المالية والمستثمرون، ما يؤثر سلبًا على الاستثمار الخارجي والنمو الاقتصادي المستقبلي.
* مستقبل غير واضح*
في السياق ذاته، يرى مراقبون أن الوضع الاقتصادي في إسرائيل ما يزال غير مستقر، إذ يواجه تحديات متعددة في الوقت ذاته. من جانب، يستمر التضخم في الصعود نتيجة صدمات الأسعار، ومن جانب آخر، تعاني الحكومة من ضغوط مالية ناجمة عن الإنفاق العسكري.
وأضاف مراقبون، في ظل هذه الظروف، يبقى الاقتصاد الإسرائيلي عرضة للعديد من المخاطر، خاصة مع عدم وجود وضوح بشأن نهاية قريبة للحرب، يبدو أن مستقبل السياسة النقدية سيظل معلقًا لفترة طويلة. على المدى الطويل، سيكون على إسرائيل اتخاذ قرارات صعبة للحفاظ على استقرارها الاقتصادي وتجنب الدخول في دوامة اقتصادية أعمق.