الفراغ الأمني في الساحل.. كيف يعيد الإرهاب تشكيل مستقبل مالي

الفراغ الأمني في الساحل.. كيف يعيد الإرهاب تشكيل مستقبل مالي

الفراغ الأمني في الساحل.. كيف يعيد الإرهاب تشكيل مستقبل مالي
تنظيم داعش الإرهابي

مع تصاعد الهجمات الإرهابية في مالي، باتت البلاد في قلب مواجهة جديدة تختبر قدرة جيشها على استعادة السيطرة، خصوصًا بعد انسحاب القوات الفرنسية والأمريكية.

 الهجوم الأخير الذي وقع في العاصمة باماكو يطرح تساؤلات جدية حول قدرة الحكومة والجيش على مواجهة الجماعات المسلحة التي تسعى لزعزعة الاستقرار في منطقة الساحل، حيث تتحرك جماعات إرهابية وقوى انفصالية بجرأة غير مسبوقة.

*تصاعد التهديد*  

أعلنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التابعة لتنظيم القاعدة، مسؤوليتها عن هجوم مفاجئ على العاصمة المالية باماكو، مستهدفة قسمًا من المطار الدولي.

 هذا الهجوم النوعي، الذي يُعد الأخطر منذ سنوات، وضع قوات الأمن المالي تحت ضغط كبير. ورغم إعلان الجيش المالي عن إحباط الهجوم، فإن المعلومات التي تسربت تشير إلى أن الأوضاع في البلاد أصبحت معقدة للغاية. 

في ظل هذا التوتر الأمني، أكد الجيش المالي، أن الوضع في باماكو بات تحت السيطرة، لكن الخسائر البشرية والمادية لم تُعلن بشكل واضح حتى الآن، مما يزيد من حالة الغموض حول حجم الخسائر الحقيقية ومدى تأثير الهجوم على القدرات العسكرية للبلاد.

*تدخلات فاغنر* 

في مواجهة الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الأجنبية، لجأت مالي إلى تعزيز تحالفها مع قوى أخرى مثل روسيا من خلال "فاغنر"، إضافة إلى تشكيل تحالف مع دول الساحل الثلاث (بوركينافاسو والنيجر ومالي). 

يأتي هذا التحالف لمجابهة التحديات الأمنية المشتركة، بما في ذلك الهجمات الإرهابية المتزايدة. ومع ذلك، يشير مراقبون إلى أن قدرة هذا التحالف على سد الفراغ الأمني الذي خلفته القوات الأمريكية والفرنسية ما تزال موضع شك، خاصة بعد التصعيد الأخير.

إضافة إلى ذلك، أعلنت دول الساحل انسحابها من "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" (إيكواس)، ما زاد من عزلتها الإقليمية في مواجهة العقوبات التي فرضتها هذه المجموعة. وحتى الآن، ترفض هذه الدول العودة إلى هذا التكتل الإقليمي، ما يعمق من التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها.

*عودة الأزواديين*

يتزامن الهجوم الأخير في باماكو مع تصاعد التوترات في شمال مالي، حيث يواصل الأزواديون الانفصاليون تحركاتهم المسلحة.

هذا التصعيد يأتي بعد أن تمكن مقاتلو الأزواديين من تنفيذ هجمات على معسكرات الجيش المالي قرب تمبكتو. هذه التحركات تشير إلى أن الأوضاع الأمنية في البلاد باتت أكثر تعقيدًا مع تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية والانفصالية على حد سواء.

*ردود فعل محلية ودولية*

وفقًا لمراقبين، تمكنت قوات الدرك المالي من السيطرة على الوضع بسرعة بعد الهجوم في باماكو، بالتزامن مع تفاعل المواطنين مع الوضع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما ساعد في طمأنة السكان حول سيطرة الجيش على الأمور، موضحين إن الهجوم لم يحقق أهدافه المرجوة من قبل الجماعة الإرهابية، وهو ما أكدت عليه وزارة الداخلية المالية.

ورغم هذا النجاح الظاهري، يبقى التحدي الأهم متمثلًا في قدرة الجيش المالي على الحفاظ على استقراره في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية. 

وتابع مراقبون، أن هذا الهجوم يعتبر ضربة كبيرة للجيش المالي وللتحالف مع قوات فاغنر، مؤكدًا أن الجماعات الإرهابية استطاعت تدمير طائرات مسيرة ومعدات عسكرية هامة، مما يعكس ضعف الجيش المالي مقارنة بفترة وجود القوات الفرنسية.

*تحديات ما بعد الانسحاب الفرنسي والأمريكي*

من الواضح أن انسحاب القوات الفرنسية والأمريكية ترك فراغًا أمنيًا كبيرًا، وهو ما أشار إليه المراقبون باعتباره أحد الأسباب الرئيسية لتزايد الهجمات الإرهابية في مالي ومنطقة الساحل. 

ففي السابق، كانت القوات الفرنسية تتولى مسؤولية تأمين مناطق واسعة من البلاد، لكن مع رحيلها، باتت هذه المناطق عرضة لهجمات المتمردين والجهاديين.

من جانبه، وصف مدير جامعة الميغلي الدولية في النيجر، عبد المهيمن محمد الأمين، الهجوم الأخير في باماكو بأنه "اختبار حقيقي" لجيوش الدول الثلاث (مالي، بوركينافاسو، النيجر).

 وأشار إلى أن هذه الدول أصبحت تعتمد على تحالفات جديدة مع روسيا وإيران وتركيا، وهو ما يضعها في موقف صعب لإثبات قدرتها على مواجهة الإرهاب بدون دعم القوات الغربية. 

وفي ظل تصاعد الهجمات الإرهابية في المنطقة، يتساءل الأمين عن مدى قدرة الجيوش المحلية على الصمود في مواجهة هذه التحديات، خاصة مع تحركات الحركات الأزوادية التي بدأت تحصل على دعم خارجي، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني.

*المستقبل الأمني لمالي والساحل*

إن التحديات الأمنية التي تواجه مالي ودول الساحل باتت أكثر تعقيدًا مع انسحاب القوات الأجنبية وتصاعد الهجمات الإرهابية.

 السؤال الأهم الآن هو ما إذا كانت هذه الدول قادرة على ملء الفراغ الأمني والتصدي للجماعات الإرهابية والانفصالية التي تهدد استقرارها.

في الوقت نفسه، يبقى مصير المنطقة معلقًا على قدرة الحكومات المحلية على التكيف مع الوضع الجديد، وتعزيز تحالفاتها الأمنية لمواجهة التحديات المتزايدة.