"أصدقاء الرصيف والبرد".. قصص لأسر تركية تفترش الطرقات في ظل الصقيع
حملات لا تتوقف أطلقها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا لإنقاذ الأسر الأشد فقرًا في شتاء شديد الصعوبة بسبب تفشي وباء كورونا من جهة وتزايد نسب الفقراء والبطالة وارتفاع الأسعار من جهة أخرى، بعد رصد النشطاء عدد هائل من المشردين والفقراء الذين تدهورت حالتهم خلال العام الأخير ووجدوا أنفسهم في الشوارع دون منزل أو عمل أو طعام ودواء.
2020 الأسوأ على فقراء تركيا.. تزايد الفقر والبطالة يهدد باضطرابات عنيفة
كان العام الحالي هو الأسوأ اقتصاديًا وصحيًا على الأتراك، وأثبت فشل إدارة أردوغان الاقتصادية مع تكالب الأزمات على الأتراك في ظل انشغال الرئيس وحكومته بأجندات خارجية والتدخل في شؤون الغير.
وكشفت دراسة حديثه أجراها خبراء اقتصاديون أنّ عدد الفقراء الأتراك قد يتضاعف مع نهاية هذا العام إلى ما يقرب من 20 مليوناً، بما يهدم الجهود تم تحقيقها على مدى عقود من الزمن، فضلاً عن تعميق الطبقية وعدم المساواة في المُجتمع التركي، وذلك نتيجة حروب أردوغان في المنطقة وفشل سياسات صهره الاقتصادية وزير المالية السابق بيرات ألبيرق، فيما عجّلت أزمة فيروس كورونا من تفاقم الأزمة الاقتصادية للبلاد.
وفي دراسة شارك فيها استشاريون من القطاع الخاص، يرسم المواطنون وأصحاب الأعمال الأتراك صورة قاتمة للاقتصاد التركي، حيث بات أكثر من 1.4 مليون شخص إضافي مُحبطاً للغاية في بحثه عن عمل، وهو رقم قياسي، بينما يزيد العدد الإجمالي الفعلي للعاطلين عن العمل في الوقت الحالي عن 12 مليون تركي.
ورغم القرارات الحكومية بمنع الشركات من تسريح العمال، إلا أن معدل البطالة ارتفع بشكل هائل ليتجاوز الـ14%، وهو الأمر الذي يهدد -وفق الخبراء- باحتمالات حدوث اضطرابات مع تسريح جماعي للعمال وزيادة في الفقر المدقع واختبار للهياكل الأسرية وإمكانية تشويه لصور الأقليات واللاجئين.
وبينما يزداد مُعدّل الفقر في تركيا ونسبة البطالة على نحوٍ لم يسبق له مثيل وسط انخفاض القوة الشرائية لليرة التركية، تذهب أموال البلاد لتمويل حروب أردوغان التي يختلقها ويُطلقها بذرائع مُختلفة.
الانتحار بسبب الفقر يتزايد في تركيا بشكل غير مسبوق
يمر المجتمع التركي بفترة من أسوأ الفترات في التاريخ التركي، وكشف معهد الإحصاء التركي عن إحصائية تؤكد أن أكثر من 1300 شخص انتحروا في تركيا بسبب الفقر خلال السنوات الماضية، ويبقى الرقم مرعبا في ظل ما تعانيه البلاد من أرقام مرتفعة في البطالة، فيما يتوقع مراقبون أن تزداد الأوضاع سوءا، بسبب التداعيات التي خلفها فيروس كورونا.
وقال كانسو يلدريم، عضو مجلس الصحة والسلامة في مكان العمل: "ستزداد حالات انتحار العمال هذا العام بسبب ظروف العمل التي تسببت بها جائحة كورونا"، من جهته، أفاد اتحاد الموسيقيين وفناني الأداء عن حدوث 100 محاولة انتحار بين موسيقيين لأسباب اقتصادية منذ مارس الماضي، عندما تمّ تسجيل الوباء لأول مرة في تركيا.
ويشهد الاقتصاد التركي المُتعثر ارتفاعا في حجم المديونية العامة، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة، إلى جانب انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار، ويمر المجتمع التركي بمرحلة من بين أسوأ المراحل التي شهدها على مر التاريخ، في ظل ارتفاع معدلات الانتحار بين العمال والأطباء وموظفي العموم والمدرسين في أعقاب اضطرابات اجتماعية وسياسية واقتصادية.
وتحدّث خبراء في علم النفس عن تزايد في حالات الانتحار نتيجة فصل عشرات الآلاف من الموظفين، وتردّي الوضع الاقتصادي والواقع المعيشي للمواطنين.
طردني صاحب المنزل.. بعت أثاث منزلي واشتريت كمامات لبيعها وأعيش في الشارع
يقول يوسف ديميرال، 37 عاما، أعيش في الشوارع مع أسرتي بالكامل منذ 3 شهور، مع بداية الإغلاق في تركيا بسبب تفشي وباء كورونا، تم تسريحي من العمل، وهو أمر شديد الصعوبة بسبب ندرة فرص العمل لتمسك كل شخص بمكانه في ظل ظروف اقتصادية وصحية غير مسبوقة.
وأضاف: حاولت العثور على عمل عشرات المرات دون فائدة، وتعثرت في دفع إيجار منزلي فطردني صاحب المنزل وأخبرني أنه يحتاج للإيجار بشدة، لم يقبل أحد من أقاربي استضافتي حيث إنني أملك أربعة أبناء، وأقاربي يعانون نفس الظروف أيضًا ولا يستطيعوا استضافتنا لمدد طويلة ومجهولة.
وتابع ديميرال: قمت ببيع أثاث منزلي وقمت بشراء "كمامات ومطهرات" لبيعها في الشوارع وأمام المحال التي تشترط ارتداء الكمامة لدخولها ويساعدني في ذلك أبنائي، الأمر الأكثر صعوبة علي هو اضطراري لوقف تعليم أبنائي فكيف يتعلمون وهم يعيشون في الشوارع دون حماية.
فقدت زوجتي وأعيش مع أبني في سيارة هي مصدر رزقي وبيتي
في السياق ذاته، يقول ناظم هاكان، 47 عامًا، زوجتي كانت إحدى ضحايا فيروس كورونا، ومع انشغالنا بحالتها الصحية تم فصلي من العمل لتغيبي، وقرر صاحب المنزل طردنا بسبب مرض زوجتي خوفًا على أسرته حيث يقطن في نفس المنزل، خاصة أنني لم أستطع إيجاد مكان في مستشفى لزوجتي واضطررنا لعزلها في المنزل وأعطاها العلاج ولكن كانت حالتها أكثر خطورة من البقاء في المنزل.
وأضاف هاكان، وجدت نفسي ومعي ابني 17 عامًا في الشوارع دون مصدر رزق، فقررت تحويل سيارتي الصغيرة لمصدر للكسب، فاشتريت بكل ما أملك سخان مياه وبعض المشروبات الساخنة وأقف لأبيعها طوال اليوم في الشارع، وبعد يوم عمل طويل أغلق حقيبة السيارة وأنتقل أنا وابني للنوم فيها حتى صباح اليوم التالي.
وتابع هاكان: ابني لم يعد للتعليم مرة أخرى وفضل مساعدتي لعبور الأزمة، فلا يوجد من يساعدنا الظروف الاقتصادية في غاية السوء ولا يبدو هناك أمل على الإطلاق في ظل انشغال حكومة دولتنا بمشكلاتها الخاصة وتجاهلها للأزمات الداخلية، مضيفًا الأزمة الحقيقية هي الشتاء الحالي الذي جاء قاسيًا فالسيارة لا تحمينا من انخفاض درجات الحرارة وما أكسبه يوميًا يكفي بالكاد لطعامي أنا وابني.