أطباء قطر بين «نار كورونا» و«جحيم تميم»
يعيش جميع العاملين في القطاع الطبي في قطر أوقات شديدة الصعوبة، حيث وجد الأطباء بالتحديد أنفسهم محاصرين بين نار تفشي فيروس كورونا الذي يهدد حياتهم يوميًا وجحيم التضييق الأمني والتعليمات الحكومية، وكذلك الانهيار الاقتصادي الذي طال الجميع في وقت شديد الصعوبة وجدوا أنفسهم فيه معزولين عن أسرهم ولا يستطيعون دعمهم ماديًّا أو نفسيًّا، ردود الأفعال تباينت من طبيب إلى آخر بعضهم في الهرب والاستقالة، وآخرون فضلوا إخطار إدارة المستشفيات العاملين بها بشكوكهم حول إصابتهم بالفيروس واحتياجهم للعزل المنزلي، في محاولة للهروب من ضغوط العمل والأعداد المصابة التي تتضاعف يوميًّا بشكل غير متوقع.
أطباء قطر يهربون خوفًا من "العدوى" والحكومة تتكتم
التخبط في قرارات الحكومة زاد من هلع الأطباء ومحاولاتهم إنقاذ أنفسهم دون انتظار تحرك الدولة، فالأطباء يرون بأنفسهم ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا بسبب تخبط الحكومة والقرارات الخاطئة وسط عجز واضح في قدرة القطاع الطبي على استيعاب تلك الحالات، أو توفير وسائل الوقاية الصحية للعاملين في المجال الطبي.
مصادر مطلعة في وزارة الصحة القطرية أكدت أن أزمة جديدة تضرب القطاع الصحي وهي هروب عدد كبير من الأطباء والتمريض ويحاول المسؤولون التكتم عليها خوفًا من تفشي ظاهرة الهروب بشكل قد يؤدي لوقوع كارثة صحية غير مسبوقة.
المصادر كشفت أن معظم حالات الهروب جاءت بعد تقديم شكاوى من الأطباء والتمريض بضعف الإجراءات الوقائية والمطالبة بتوفير أدوات الحماية والوقاية الصحية، وهو ما لم يحدث فاضطر عدد كبير لتقديم استقالتهم التي تم رفضها فتغيبوا عن العمل وأغلقوا هواتفهم.
التهديدات والقمع أبرز وسائل "تميم" للسيطرة على غضب الأطباء
نظام تميم بن حمد لا يعرف سوى اللجوء إلى الحلول الأمنية في مواجهة أزمات الأطباء واتهامهم بمحاولة تشويه النظام الحاكم، الأطباء حاولوا نشر شكواهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي بعد تجاهل وزارة الصحة لكافة الشكاوى المقدمة؛ الأمر الذي تحول تدريجيًّا لاحتجاجات شديدة وانقطاع عن العمل بسبب زيادة أحوالهم سوءًا منذ بداية أزمة التفشي اجتماعيًّا وماديًّا، السلطات القطرية بدأت بالتهديدات بمجرد انتشار بعض الشكاوى على مواقع التواصل الاجتماعي والتلميح بأن الأطباء المتضررين ليسوا شرفاء ومأجورين من أجل إجبارهم على التراجع عن أي شكاوى أو تحركات احتجاجية مثل الاستقالات الجماعية أو الهروب من العمل أو توجيه انتقادات حادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للحكومة وإدارتها لأزمة تفشي وباء كورونا منذ البداية وحتى الآن.
مراقبون أكدوا زيادة عدد الشكاوى المرتبطة بإصابات الأطباء وعدم وجود غرف رعاية مركزة لهم، وهو الأمر الذي فجَّر حالة من الغضب في صفوف العاملين في القطاع الطبي، مؤكدين أن أكثر ما يثير غضبهم هو تجاهل وزارة الصحة لشكواهم وإصدارها قرارات بإلقائهم في منازلهم بمجرد التأكد من إصابتهم، وهو ما زاد الإحباط في نفوس الأطباء والممرضين حيث يؤكدون أنهم لم يتأخروا عن خدمة الوطن والمواطنين عندما استدعت الحاجة ذلك فلماذا تغدر بهم حكومة تميم؟
فكرت في الاستقالة.. فتم استدعائي لتحقيق وتهديدي بالاعتقال
يقول خالد. م، طبيب قطري، الأجهزة الأمنية في قطر تزيد من تصاعد الأزمة، بدلًا من تدخل المسؤولين لحل المشكلات التي تواجه الأطباء يلجؤون للإبلاغ عن كل من ينتقد أو يلفت الانتباه للسلبيات في إدارة الأزمة، ضغوط وتهديدات متتالية وأصبحت من تفشي الوباء بشكل مخيف ليست ذات معنى.
وأضاف: معظمنا أصبح لا يهتم بالتهديدات الأمنية، نحن معرضون للإصابة والموت في كل ساعة من ساعات اليوم، فالاعتقال أفضل لنا من البقاء في المستشفيات دون تجهيزات كافية، متابعًا: إدارة المستشفى لا تتوقف عن التهديدات غير المباشرة بإصدار تحذيرات للعاملين في القطاع الطبي من إمكانية تعرضهم للمساءلة القانونية في حال إفشائهم لأسرار العمل، أو إضرابهم عن العمل خلال الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
يقول خالد: تم التحقيق معي في أجهزة أمنية سيادية لمجرد تحدثي أمام زملائي عن نيتي في الاستقالة إذا ما استمر الوضع في التدهور خوفًا على حياتي وحياة أسرتي، مضيفًا لم يمر على حديثي 24 ساعة حتى وجدت استدعاء عاجلاً من إدارة المستشفى ووجود عدد من الضباط والتحقيق معي وتهديدي بشكل غير مباشر بأسئلة تحمل اتهاماً أكثر مما تعمل محاولة لمعرفة الأزمات وحلها، فتم سؤالي "هل هناك من يشجعك على الاستقالة ومهاجمة الدولة من الخارج.. وهل تتلقى أي مساعدات مالية أو وعود بمكافآت مالية في حالة تقديمك للاستقالة، وهي أسئلة لا تحتاج لتفسير حيث توضح أن استقالتي ستتحول لاتهام لي بالجاسوسية وتهديد الأمن العام للبلاد.
كل بيوت قطر خصصت غرفة للعزل المنزلي والحكومة تعاند الأطباء
في السياق ذاته، تقول هالة،ع، ممرضة مغربية تعمل في أحد المستشفيات القطرية: معظم الأطباء الذين كنت أعمل معهم في بداية الأزمة تغيروا تمامًا فبعضهم أصيب والتزم بالحجر المنزلي، والبعض فضَّل الاستقالة وآخرون هربوا دون حتى تقديم الاستقالة.
وأضافت: الحكومة القطرية تعاند الأطباء فبدلًا من توفير طلباتهم البسيطة والتي تنحصر في وجود أدوات الوقاية الصحية من كمامات ومطهرات وأزياء واقية ورواتب في ميعادها حتى لا يشعروا بالقلق على أسرهم التي لم يروهم منذ شهور، تدفع ملايين الدولارات لتوفير بدائل لهؤلاء الأطباء رغم خبرتهم في العمل داخل قطر منذ سنوات، فأرسلت قطر طائرات لجلب أطباء من دولة كوبا وبعض الدول الفقيرة بإغراءات مادية كبيرة، وهو ما صنع أزمة جديدة حيث نفتقد للغة التواصل معهم.
وتابعت: معظم زملائي أصيبوا بالفيروس وآخرون فضلوا الجلوس في المنزل حتى إعادة خطوط الطيران إلى العمل ليعودوا إلى بلادهم، فنحن نعمل 18 ساعة يوميًّا دون أي زيادة في الرواتب، وحتى رواتبنا الأصلية لا نتحصل عليها في ميعادها، وتصمم إدارة المستشفيات على أن نتلقى نصف راتبنا فقط لتضمن احتياجنا إلى العمل طوال الوقت لإلغاء فكرة الهروب أو البقاء في المنزل.
وأشارت "هالة" إلى أن الأوضاع في قطر تزداد سوءًا يومًا بعد يوم وأعداد الإصابات لا تنخفض رغم قلة عدد السكان حتى أنها باتت تشعر أن جميع المقيمين في قطر يحملون الفيروس داخل أجسامهم، خاصةً مع تضاعف أعداد المصابين وامتلاء المستشفيات عن آخرها وكذلك أصبح كل بيت في قطر داخله غرفة مخصصة للعزل المنزلي.