مديرية المغادرة الطوعية.. اسم جديد لسياسة التهجير الإسرائيلية في غزة

مديرية المغادرة الطوعية.. اسم جديد لسياسة التهجير الإسرائيلية في غزة

مديرية المغادرة الطوعية.. اسم جديد لسياسة التهجير الإسرائيلية في غزة
تهجير الفلسطينيين

في خطوة تكرّس سياسات التهجير القسري، أعلنت إسرائيل عن إنشاء وكالة خاصة ضمن وزارة الدفاع، تحمل اسم "مديرية المغادرة الطوعية"، بهدف تسهيل خروج سكان قطاع غزة إلى دول أخرى، هذه الخطوة تأتي في إطار رؤية إسرائيلية تتوافق مع مقترح قديم طرحه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي يقوم على تفريغ القطاع من سكانه وإعادة تشكيله بما يخدم مصالح تل أبيب.

ورغم أن إسرائيل تروّج لهذا المشروع على أنه "طوعي"، إلا أن الوقائع على الأرض، من الدمار الهائل إلى الحصار المستمر، تجعل الخيارات أمام الفلسطينيين محدودة، ما يثير مخاوف من فرض واقع جديد يؤدي إلى تهجير قسري ممنهج، فهل يمثّل هذا الإعلان مرحلة جديدة من الصراع على مستقبل غزة، أم أنه محاولة فاشلة لفرض سياسة غير قابلة للتطبيق؟ 

*وكالة لتهجير سكان غزة*


أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن إطلاق "مديرية المغادرة الطوعية" داخل وزارة الدفاع، وهي خطوة تهدف، وفق الرواية الإسرائيلية، إلى تسهيل خروج السكان الراغبين في مغادرة القطاع إلى دول أخرى.

ووفق بيان الوزارة، جاءت هذه الخطوة بعد اجتماع عقده كاتس لمناقشة سبل تنفيذ هذا المشروع، حيث عرضت خطة أولية تتضمن ترتيبات بحرية وجوية وبرية لنقل الفلسطينيين إلى دول ثالثة، وسط حديث عن "حوافز" للمهاجرين المحتملين.

*خطة ترامب تعود إلى الواجهة*


لطالما سعت إسرائيل إلى فرض واقع جديد في غزة، وسبق أن دعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب التي طرحت فكرة "إعادة تشكيل" غزة، عبر نقل سكانها إلى دول مجاورة كالأردن ومصر. ومع أن الخطة لم تُطبق آنذاك بسبب رفض دولي واسع، فإن تل أبيب تعيد طرحها اليوم في سياق الحرب الحالية، مستغلة الأوضاع المأساوية التي خلّفها القصف المتواصل منذ 7 أكتوبر 2023. 

رغم وصف إسرائيل للخطة بأنها "طوعية"، إلا أن الظروف على الأرض تعكس واقعًا مختلفًا. فقد أدى العدوان الإسرائيلي إلى نزوح معظم سكان القطاع، الذين يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والمياه والخدمات الأساسية، إضافةً إلى دمار واسع طال 69% من مباني غزة، وفق تقييم الأمم المتحدة. ووسط هذه الظروف، يصبح خيار "المغادرة الطوعية" أقرب إلى التهجير القسري الذي تدفع إليه سياسات الحرب والتجويع. 



*رفض دولي ومخاوف فلسطينية* 


أثارت هذه التصريحات موجة غضب واسعة على المستويين الفلسطيني والعربي، حيث يرى الفلسطينيون أن إسرائيل لا تسعى فقط إلى تهجير السكان من القطاع، بل تعمل على تنفيذ مخطط تطهير عرقي تدريجي يهدف إلى إفراغ غزة من أهلها، وفرض واقع ديموغرافي جديد يخدم مصالحها الاستراتيجية.

 واعتبر مسؤولون فلسطينيون أن هذه السياسة امتداد للنكبة المستمرة منذ عام 1948، مؤكدين أن الاحتلال يستغل الظروف الإنسانية الكارثية التي خلّفها العدوان العسكري لإجبار السكان على مغادرة أرضهم. 

على الصعيد العربي، جاء الموقف المصري والأردني واضحًا وحاسمًا برفض أي مقترح يستهدف نقل الفلسطينيين إلى أراضيهما، ودعمت الدول العربية هذا الموقف بشكل رسمي، حيث أكدت القاهرة وعمّان أن الحل لا يكمن في إعادة توطين سكان غزة في دول أخرى، بل في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ورفع الحصار، وإعادة إعمار القطاع.

كما شددتا على أن أي محاولة لفرض تهجير جماعي تحت مسمى "المغادرة الطوعية" تعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وتقويضًا للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في أرضه.

*خطة مصرية*


وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن حجم الدمار الذي طال القطاع يجعل إعادة الإعمار عملية قد تستغرق حتى عام 2040؛ مما يعني أن الأوضاع الإنسانية قد تظل كارثية لعقود، وهو ما قد تستخدمه إسرائيل كوسيلة ضغط لإجبار السكان على الهجرة.

من جانبها، طرحت مصر مقترحًا متكاملًا لإعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه، عبر إنشاء "مناطق آمنة" داخل غزة كملاجئ مؤقتة للفلسطينيين، ريثما تبدأ عمليات إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة. 

ووفقًا لمسؤولين مصريين مشاركين في هذه الجهود، فإن الخطة تتضمن إشراف شركات مصرية ودولية على إزالة الأنقاض وإعادة بناء المرافق الحيوية، ضمن رؤية شاملة لضمان استقرار الأوضاع الإنسانية والمعيشية للسكان. 

وتقترح الخطة إنشاء إدارة فلسطينية غير منحازة لا لحماس ولا للسلطة الفلسطينية، تتولى إدارة القطاع والإشراف على جهود الإعمار، مع ضمان الشفافية والكفاءة في تنفيذ المشاريع التنموية.

 كما تتضمن الخطة تشكيل قوة شرطة فلسطينية تتألف من عناصر أمنية سابقة تابعة للسلطة الفلسطينية ممن بقوا في غزة بعد سيطرة حماس على القطاع عام 2007، على أن يتم تعزيز هذه القوة بعناصر مدربة من مصر ودول غربية، لضمان استتباب الأمن خلال المرحلة الانتقالية، وفقًا لما أوردته وكالة "أسوشييتد برس".

وتنقسم خطة الإعمار إلى ثلاث مراحل رئيسية تمتد على مدى خمس سنوات، وتبدأ بـ"فترة إنعاش مبكر" تستمر ستة أشهر، يتم خلالها نقل السكان المتضررين إلى ثلاث مناطق آمنة داخل القطاع، تُجهز بمنازل متنقلة وملاجئ، وتستقبل المساعدات الإنسانية بشكل مكثف لتلبية الاحتياجات العاجلة.

وتؤكد مصادر مطلعة، أن هذه الخطة تهدف إلى التخفيف من وطأة الأزمة دون الإخلال بالتركيبة السكانية لغزة، في ظل الرفض المصري والأردني القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى الخارج. 

وفي إطار إعادة الإعمار، ستشارك أكثر من عشرين شركة مصرية ودولية في عمليات إزالة الأنقاض وبناء المرافق الجديدة، وسط توقعات بأن تسهم هذه الجهود في توفير عشرات الآلاف من فرص العمل لسكان القطاع، ما قد يشكل خطوة نحو التعافي الاقتصادي والاجتماعي.

وتأتي هذه المبادرة المصرية في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية لإيجاد حلول عملية ومستدامة للأزمة المتفاقمة في غزة، بعيدًا عن أي مخططات لتغيير خارطة التوزيع السكاني في المنطقة.