مستشفيات بيروت المنكوبة مأساة ومعاناة يدفع ثمنها اللبنانيون
يعيش القطاع الصحي في لبنان مأساة حقيقية يدفع ثمنها الشعب اللبناني فالتدهور في القطاع الصحي أمر معتاد في لبنان ولكن ليس المعتاد هو تكالب الأزمات وزيادة الضغط على القطاع الصحي منذ تفشي وباء كورونا في لبنان متزامنًا مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة وشح السيولة بشكل غير مسبوق، التداعيات الناتجة لتفشي فيروس كورونا تسببت في انخفاض قدرة المستشفيات اللبنانية على مواجهة التحديات، وجاء انفجار مرفأ بيروت ليكشف حقيقة الوضع الكارثي للقطاع الطبي بالكامل فبعض المستشفيات تضررت وخرجت عن الخدمة نتيجة إصابة مباشرة لقربها من مركز الانفجار أما باقي المستشفيات فلم تستطع استيعاب الأعداد الهائلة للجرحى والمصابين جراء الانفجار الكارثي، الأمر الذي يزيد الأوضاع صعوبة هو دخول معظم دول العالم في المرحلة الثانية لتفشي وباء "كورونا" وعودة تسجيل ارتفاع حادّ في أعداد الإصابات بشكل قد يؤدي لانهيار تامّ وغير مسبوق للقطاع الصحي اللبناني بشكل كامل.
مستشفيات بيروت بين «الخروج من الخدمة» والامتلاء عن آخرها بالجرحى
وزارة الصحة اللبنانية كشفت عن خروج 4 مستشفيات كبرى من الخدمة بشكل نهائي جراء تضررها نتيجة كارثة انفجار مرفأ بيروت، مستشفى "الروم" فقدت 8 أشخاص من الكادر الطبي بالإضافة لـ 10 مرضى والذين قُتلوا جراء التفجير بالإضافة لتدمير كافة التجهيزات الطبية الأمر الذي تسبب في خروج المستشفى من الخدمة إلى أجل غير محدود.
الصحة أكدت أن بيروت ليس بها إلا 12 مستشفى فقط مؤهلة لاستقبال الجرحى وتلك المستشفيات تمتلئ عن آخرها بالجرحى، رغم توجيه وزارة الصحة اللبنانية بضرورة إخراج حالات الإصابات الخفيفة والمتوسطة لإفساح المجال أمام الحالات الأكثر خطورة والتي تحتاج لرعاية صحية بشكل عاجل.
مصادر طبية أكدت أن المستشفيات في بيروت لجأت لتقديم المساعدات الطبية في مواقف السيارات أسفل المستشفيات بعد أن امتلأت الأسرة عن آخِرها بالجرحى في ظل توالي وصول المصابين بالجرحى وكذلك ظهور عدة حالات يُشتبه في إصابتها بفيروس كورونا الأمر الذي ينذر بكارثة جديدة تحيط بالقطاع الصحي في لبنان.
رغم المساعدات الخارجية.. الأزمات تحاصر القطاع الصحي في بيروت
من جانبه، كشف نقيب الأطباء اللبنانيين أن حجم الأضرار التي أصابت عددًا كبيرًا من المستشفيات في بيروت غير مسبوق نتيجة الانفجار الكبير الذي تعرض له مرفأ بيروت قبل أيام.
الدكتور "شرف أبو شرف" نقيب الأطباء أكد أن الإمكانيات الحالية لا تسمح بإعادة إدخال المستشفيات التي خرجت من الخدمة لاستقبال المواطنين حاليًا، خاصة مع تداعي القطاع الصحي بشكل ملحوظ خلال الشهور الماضية نتيجة الضغط عليها بسبب تفشي فيروس كورونا من جهة والصعوبات الاقتصادية من جهة أخرى.
وأكد شرف، أن جميع المستشفيات في لبنان تحتاج دعمًا ماديًّا ومساعدات إنسانية وأدوية بشكل عاجل للغاية، فالدعم الخارجي لم يصل منه إلا القليل حتى الآن والاحتياجات تتضاعف بشكل هائل.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت منذ أيام من خطورة ضعف النظام الصحي في لبنان، مؤكدة أن الانهيار الملحوظ للقطاع الصحي يمثل مشكلة خطيرة بعد الانفجار الذي شهده مرفأ بيروت.
وأشارت الصحة العالمية، إلى نقص في الأسرّة، من جراء الأضرار التي لحقت بالمستشفيات، لتعلن بعدها الأمم المتحدة أنها تعتزم الإفراج عن 9 ملايين دولار لتلبية احتياجات عاجلة للبنان بعد الانفجار الدامي الذي وقع ببيروت، وتعزيز العمليات في مستشفيات المدينة.
ازدواج الأزمة يرهق المستشفيات والكوادر الطبية تقوم بمعجزة
يقول حسّان العلي، 34 عامًا، من بيروت: الوضع كارثي بالطبع ونعذر الأطباء ولا نعرف كيف نمد لهم يد المساعدة ليصمدوا في وجه تلك التحديات المتتالية، فلبنان يشهد تضاعفًا في عدد حالات كورونا وسجل اليوم رقمًا يقترب من الـ 300 إصابة جديدة و4 حالات وفاة، ونفس الرقم تقريبًا أمس.
وتابع العلي، المستشفيات تقف عاجزة عن استيعاب ما يحدث والإمدادات لا تكفي بالطبع، فالأزمة أصبحت مزدوجة فكورونا تضرب من ناحية وخسائر وتداعيات انفجار مرفأ بيروت تضرب بقسوة من ناحية أخرى، القطاع الصحي لا يستطيع أن يستوعب آلاف الضحايا والمستشفيات تمتلئ عن آخِرها وقدرة العاملين في القطاع الطبي تنهار في كل لحظة رغم قيامهم بما يشبه المعجزة حتى الآن في ظل ضعف الإمكانيات الاقتصادية والصحية وتوالي المصائب.
وأضاف، الشوارع المحيطة بالمستشفيات أصبحت عيادات مصغرة، والأطباء اللبنانيون يضطرون للنزول إلى مواقف السيارات وكل مكان يصلح لوضع سرير في الأماكن المحيطة بالمستشفيات ويحذرون في الوقت نفسه من خطورة التزاحم الشديد وكثافة الأعداد بسبب الموجة الثانية من وباء كورونا.
يؤكد "العلي"، أن المساعدات الدولية لم تصل بشكل كامل حتى الآن وإذا تأخرت أكثر من ذلك فلن يصبح لها ضرورة فالآلاف مهددون بفقد حياتهم إذا تأخرت المساعدات الطبية والمستشفيات الميدانية المطلوبة.
المستشفيات اللبنانية اقتربت من الانهيار قبل التفجير ولم تكن تحتمل كارثة جديدة
في السياق ذاته، تقول لاميتا توفيق، 32 عامًا، ممرضة في أحد مستشفيات بيروت، إن المستشفيات حاليًا تُعتبر صورة مصغرة عن بيروت المنكوبة فالخراب يحيط بها والأعداد داخلها هائلة وغير مسبوقة تتزامن مع نقص هائل في المعدات الطبية والأدوية.
وتتابع "لاميتا"، الفزع الأكبر هو موجة فيروس كورونا الثانية التي تهدد جميع المرضى والكوادر الطبية معًا حيث يضطر الجميع لاستيعاب أعداد تفوق قدرة المستشفيات في الحالات الطبيعية وحالات الطوارئ كذلك، ورغم إرسال بعض الدول لمساعدات طبية ومستشفيات ميدانية إلا أن الأمر لا يزال كارثيًّا حتى الآن ولم نستطع السيطرة عليه.
وأضافت "لاميتا": نحن كمثل أهل بيروت انقلبت حياتنا 180 درجة في لحظة واحدة، أنا أعمل في المستشفى ليلًا ونهارًا ولا أملك بيتًا أذهب إليه لأرتاح فالمنطقة التي أسكن بها دُمِّرت عن آخِرها، زوجي وابنتي كانوا من المحظوظين الذين أصيبوا بإصابات طفيفة وجاءوا إلى المستشفى الذي أعمل به على الفور بعد اللحظات الأولى للتفجير لأنجح في توفير العلاج اللازم لهم.
وأشارت "لاميتا" إلى أن مستشفيات بيروت حاليًا فقدت القدرة على استيعاب أعداد إضافية من المرضى سواء جرحى أو مصابين بفيروس كورونا ولم تعد قادرة على تقديم العلاج المناسب بسبب نفاد المخازن وضعف الإمدادات، المستشفيات تشبه ساحات الحروب فالدمار طال المباني والجميع يشعر بإحباط شديد.
واختتمت لاميتا حديثها قائلة، جميع المستشفيات في لبنان لم تكن تحتمل كارثة جديدة فهي كانت قريبة للغاية من الانهيار بسبب عدم قدرتها على احتمال تداعيات تفشي وباء "كورونا" وكذلك الأزمة الاقتصادية التي طالت جميع القطاعات، الأمل الوحيد الآن في تتابع وصول المساعدات الدولية التي قد تصنع فارقًا في قدرة الكوادر الطبية على مساعدة المتضررين من الشعب اللبناني.