صفقة في الظل.. محادثات بين إسرائيل وسوريا تفتح أبواب التطبيع بضغط أمريكي
صفقة في الظل.. محادثات بين إسرائيل وسوريا تفتح أبواب التطبيع بضغط أمريكي

في تحول مفاجئ على رقعة العلاقات الإقليمية، تتكشف خيوط أولى لحوار غير معلن بين دولتين ظلّ بينهما عداء عقائدي وعسكري لأكثر من نصف قرن، إسرائيل و سوريا، الخصمان التاريخيان، يخطوان على ما يبدو خطوات حذرة نحو قنوات تواصل مباشرة، وسط تعقيدات إقليمية وضغوط دولية يقودها البيت الأبيض.
اللقاء، الذي قيل إنه جرى في أذربيجان بوساطة تركية وحضور قيادات عسكرية إسرائيلية، لم تؤكده أطرافه رسميًا، لكنه يتقاطع مع تصريحات سورية وأمريكية تشي بتغيرات قيد التبلور.
هذه المعطيات، التي تأتي في ظل تصعيد دموي في غزة واستمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ سورية، تطرح تساؤلات عميقة فهل نشهد بداية تطبيع غير معلن بين دمشق وتل أبيب، وهل تكفي وعود رفع العقوبات لإعادة صياغة خارطة التحالفات.
*همسات دبلوماسية في أذربيجان*
في وقت لم تخرج فيه دمشق أو تل أبيب بأي تأكيد رسمي، كشفت مصادر إسرائيلية مطلعة عن إجراء لقاء مباشر ضم مسؤولين عسكريين إسرائيليين وممثلين عن الحكومة السورية في العاصمة الأذربيجانية باكو.
وبحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن"، فقد حضر اللقاء اللواء عوديد باسيوك، رئيس مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي، إلى جانب مسؤولين أتراك كمراقبين أو وسطاء.
الجيش الإسرائيلي امتنع عن تأكيد اللقاء، مكتفيًا بالقول: إنه لم يجرِ تواصل مباشر مع الحكومة السورية، وهو تصريح لا ينفي، لكنه يترك مساحة رمادية للمناورة السياسية.
*دمشق: قلق من الانفلات، لا اعتراف باللقاء*
الرئيس السوري أحمد الشرع صرّح -في وقت سابق-، أن بلاده تجري "محادثات غير مباشرة" مع إسرائيل، هدفها تهدئة الهجمات على الأراضي السورية، في محاولة لتجنب "الانزلاق إلى مرحلة تفقد فيها الأطراف السيطرة".
هذه التصريحات فتحت الباب لتأويلات عدة، خصوصًا أنها تتزامن مع حراك دبلوماسي أمريكي مكثّف، ووعود بتخفيف العقوبات مقابل خطوات سياسية من دمشق.
*دور أمريكي حاسم في دفع العجلة*
المفاجأة الكبرى كانت في لقاء جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري في السعودية هذا الأسبوع، حيث عرض ترامب رفع العقوبات المشددة المفروضة على سوريا.
ووفقًا لبيان البيت الأبيض، فإن واشنطن تشترط على دمشق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتطهير أراضيها من "الإرهابيين الأجانب"، والمساعدة في منع عودة داعش.
هذه المطالب تؤكد أن أي تقارب سوري-إسرائيلي سيكون مشروطًا بصفقة ثلاثية الأبعاد: أمنية، سياسية، واقتصادية.
*تل أبيب: مخاوف من تنازلات أمريكية*
رغم أن إسرائيل تحاول الإيحاء بأنها لا تمانع تحسين العلاقات مع بعض جيرانها، فإن المسؤولين في تل أبيب لا يخفون خشيتهم من أن يؤدي رفع العقوبات عن دمشق إلى تقوية نظام قد يظل حليفًا لمحور المقاومة.
وكشف مصدر إسرائيلي لـ"سي إن إن"، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبّر عن قلقه الشديد لترامب، مطالبًا بعدم اتخاذ أي خطوات من شأنها تقويض الأمن الإسرائيلي، خصوصًا بعد تجربة هجوم حماس في أكتوبر 2023.
*الوجود الإسرائيلي في سوريا.. تمدد دائم؟*
منذ بداية الحرب السورية، قامت إسرائيل بشن عشرات الغارات الجوية على مواقع في الداخل السوري، تحت ذريعة منع تسلح الجماعات المرتبطة بإيران وحزب الله.
ولم يعد وجودها العسكري في بعض المناطق الحدودية مجرد "تواجد مؤقت"، بل هناك مؤشرات على نية تمديد هذا الوجود إلى أجل غير مسمى.
إسرائيل أيضًا تفرض منطقة عازلة في الجنوب لحماية الدروز السوريين، وتواصل سيطرتها على الجولان منذ عام 1967.
تزامنًا مع هذه التحركات، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أنها تعمل على تفعيل "تفويضات جديدة" قد تمهد لاستقطاب الاستثمارات وإعادة إعمار الاقتصاد السوري.
ويُنظر إلى هذا التصريح كجزء من رزمة تحفيزات تأمل واشنطن من خلالها دفع دمشق لتغيير تحالفاتها الإقليمية، خصوصًا تقليص علاقتها بإيران، وتحقيق مكاسب استراتيجية لإسرائيل في المنطقة.
*رهانات ومخاطر في الطريق إلى التطبيع*
الحديث عن تطبيع بين سوريا وإسرائيل يثير موجة من الجدل، سواء داخل سوريا أو في المنطقة الأوسع. فبينما يراه البعض فرصة لإعادة التموضع السياسي وإنقاذ الاقتصاد السوري المنهار، يعتبره آخرون خيانة لثوابت القضية الفلسطينية، وتنازلًا مجانيًا عن أراضٍ محتلة وحقوق لم تُسترد.
كما أن تقاربًا كهذا قد يصطدم بمعارضة شعبية أو حتى انقسامات داخل النظام السوري نفسه، خاصة من قادة أمنيين وعسكريين لهم ارتباطات تاريخية مع طهران.
من جانبهم، أكد مراقبون، أن حتى الآن، لا يمكن الجزم بأن التطبيع بين دمشق وتل أبيب بات وشيكًا، لكنه لم يعد مستحيلًا.
وأضافوا، أن اللقاءات التي تُعقد في الظل، والتصريحات المتحفظة، والضغوط الأمريكية المركّبة، كلّها تشير إلى أن تغييرًا ما يُطبخ في الخفاء، لكنه تغيير محكوم بجملة من التحديات السياسية والجيوستراتيجية.