إفريقيا بعد مرور عشرين عاما على الحرب العالمية على الإرهاب.. ماذا يحدث في القارة السمراء؟
مرت 20 عاما على الحرب العالمية على الإرهاب في إفريقيا
شهدت الأقاليم الإفريقية جنوب الصحراء تحولات خطيرة خلال عام 2021، في ظل تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية المبايعة لتنظيم داعش، مع تزايد هائل في أعداد الضحايا، ودخول أقاليم ودول جديدة دائرة المتأثرين والمتضررين بالإرهاب، وطرحت هذه التحولات العديد من التساؤلات حول موقع القارة الإفريقية من أنشطة التنظيمات الإرهابية الدولية؟ ولماذا أصبحت القارة الإفريقية من أكثر المناطق تأثرا بانتشار الإرهاب على الرغم من مرور عشرين عامًا على انطلاق الحرب العالمية التي قادتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على الإرهاب منذ عام 2001؟ وفي هذا التوقيت كانت أقاليم القارة الإفريقية جنوب الصحراء الأربعة لا تشهد إلا تحركات من جماعات معارضة اعتمدت على أعمال وحشية لمواجهة الحكومات؛ مثل حركة جيش الرب للمقاومة، أو هجمات تزعمتها عناصر من خارج القارة واستهدفت مصالح غربية؛ مثل الهجومين المتزامنين على السفارتين الأميركيتين في دار السلام ونيروبي عام 1998.
وأجابت دراسة لمركز فاروس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية والمختص بالشؤون الإفريقية عن ما الذي حصدته القارة الإفريقية من الحرب العالمية على الإرهاب، وهل استفادت دولها من دخول الأقاليم الإفريقية ضمن الخرائط الدولية لمكافحة الإرهاب، مؤكدة الدراسة أن محاولة البحث عن إجابات على هذه التساؤلات التي أصبحت ملحة في ظل نجاح تنظيم طالبان في الوصول إلى السلطة وعقد اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية بما يشكك في الروايات الغربية والأميركية تحديدًا حول طبيعة التهديدات الإرهابية الدولية، وكذلك الكتابات وتصريحات المسؤولين الغربيين التي انتشرت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي حملت تحذيرات ومخاوف من تحول الكثير من أراضي إفريقيا إلى ملاذات آمنة للعناصر الإرهابية.
حالة الإرهاب في منطقة الساحل
على الرغم من أن عام 2021 شهد مقتل العديد من قادة الجماعات الإرهابية، وخاصة في ولاية غرب إفريقيا، حيث قتل أبوبكر شيكاو زعيم بوكوحرام في شهر مايو في معارك مع فصيل أبو مصعب البرناوي، وتمكنت القوات الفرنسية من قتل عدنان أبو الوليد الصحراوى زعيم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى في سبتمبر، وتبعه مقتل أبو مصعب البرناوي على أيدي الجيش النيجيري في أكتوبر 2021، وما أحدثته هذه التطورات من ارتباك لدى التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل وإقليم غرب إفريقيا، وخاصة تنظيم داعش الذي ينتمي إليه هؤلاء القادة، إلا أن العمليات التي شهدتها هذه المناطق كانت في تصاعد ملحوظ وخلّفت أعدادا كبيرة من الضحايا.
يُظهر مؤشر الإرهاب العالمي، الذي يقيس الحوادث الإرهابية في جميع أنحاء العالم، أن الوفيات المرتبطة بالهجمات الإرهابية انخفضت بنسبة 59% بين عامي 2014 و2019 -إلى ما مجموعه 13826- مع ارتباط معظمها بالدول التي تشهد تمردات جهادية. ومع ذلك في العديد من الأماكن في جميع أنحاء إفريقيا، ارتفعت الوفيات بشكل كبير.
ومن الناحية الجغرافية تركزت هجمات التنظيمات الإرهابية في الساحل وغرب إفريقيا على المناطق القريبة من الحدود بين مالي والنيجر وبوركينافاسو وحول بحيرة تشاد والشمال الشرقي من نيجيريا، فقد استهدف الإرهابيون المدنيين بصورة رئيسية وكذلك الجنود، لكن الضحايا من المدنيين أكبر بكثير؛ ما يشير إلى تصاعد في اتجاهات التطرف في هذه المناطق، كما تصاعدت الهجمات منذ أغسطس 2021.
انسحاب القوى الدولية
وشهد عام 2021 ترتيبات جديدة من القوى الدولية للانسحاب العسكري من القارة الإفريقية، وبالفعل بدأت القوات الفرنسية الممثلة في قوة برخان في الانسحاب من مواقعها في شمال مالي، حيث أعلن الرئيس ماكرون في يونيو 2021 إعادة انتشار وتخفيض قوات برخان في الساحل الإفريقي، كما أوقف التعاون العسكري مع الجيش المالي ردا على الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في مايو 2021.
مستقبل الإرهاب في إفريقيا
تطرح تطورات ظاهرة الإرهاب في إفريقيا بُعْدَيْنِ رئيسين يمكن إعادة التفكير فيهما للوصول إلى معالجة لهذه الظاهرة في البيئة الإفريقية، فمن ناحية، وعلى الرغم من التصاعد المذهل للعمليات الإرهابية إلا أن التنظيمات الإرهابية في القارة لم تنجح حتى الآن في السيطرة على دولة مثلما شهدت أفغانستان (إن جاز التعبير)، فلم تصل أي من هذه التنظيمات للعاصمة كما لم تؤد إلى انهيار الدولة، فحركة شباب المجاهدين والتي تعد من الحركات التي لها تاريخ طويل منذ بزوغها لحركة مقاومة للوجود الإثيوبي في عام 2007، اقتربت من السيطرة على العاصمة مقديشو في عام 2011 إلا أنها لم تنجح في تحقيق هذا الهدف، وكذلك التنظيمات الإرهابية في شمال مالي لم تنجح في عام 2012 في الوصول إلى العاصمة.
وتعمل غالبية التنظيمات الإرهابية في أطراف الدول وعلى الحدود، كما لا تمتلك التنظيمات الإرهابية في إفريقيا العمل على المستوى العالمي مثل تنظيم القاعدة أو داعش، بل هذه التنظيمات تنحصر تأثيراتها وأنشطتها على السكان المحليين فهي نشأت من ظروف محلية سيئة وتوجه نشاطها وعملياتها للحكومات والشعوب المحلية.
معركة إفريقيا مع الإرهاب
وتقول الدكتور أميرة عبدالحليم، الخبيرة في الشؤون الإفريقية، إنه يمكن التأكيد على أن معركة إفريقيا مع الإرهاب لن تكون بسيطة، بل يمكن أن تستغرق الكثير من الوقت والتضحيات المادية والإنسانية، خاصة في ظل الأزمات التي تعاني منها دول كثيرة والتي تحمل معاناة لمواطني الدول الإفريقية، وكذلك مع انتشار الفساد والاستبداد وعدم قبول الآخر، ولن تستطيع الدول الإفريقية الانتصار في هذه الحرب إلا من خلال التكامل وتجاوز الخلافات بين دولها، وتخلص بعض الدول من اللامبالاة والتجاهل لقضايا الإرهاب، كما لن تنجح القارة الإفريقية في الحد من انتشار هذه التنظيمات المخربة دون التعاون مع الشركاء الدوليين والإقليميين، على أن يُبنى هذا التعاون على أسس من الشراكة التي لا تستغل نقاط الضعف الإفريقية.
ولفتت أنه على الشركاء الدوليين والإقليميين أن يدركوا جيدًا أن محاربة الإرهاب في إفريقيا ليست دعمًا يقدمونه باختيارهم لمساعدة القارة، بل تعد المساندة في مكافحة الإرهاب جزءًا لا يتجزأ من تعزيز مصالحهم الحيوية داخل القارة، وإذا كانت المنافسات بين هذه القوى تتم اليوم للحصول على موطئ قدم أو نفوذ أو السيطرة على مورد حيوي أو ميناء إستراتيجي، فإن التنافس على دعم مكافحة الإرهاب سيمثل إطارًا للتقارب وتعزيز المصالح في القارة الإفريقية.
وأوضحت أنه كما يحتاج دعم مكافحة الإرهاب في إفريقيا -من الشركاء الخارجيين- إلى إعادة تفكير في إستراتيجياتهم، فقد أثبت الواقع أن تركيز الولايات المتحدة على منع هجرة الإرهابيين إلى إفريقيا كان سوء تقدير، وبدلًا من فرار الجهاديين العالميين من أفغانستان والعثور على ملاذ لهم في إفريقيا، بدأت الجماعات الإرهابية ذات العقلية المحلية تتحد وتنتشر داخل القارة، ودخلت في النهاية مدار القاعدة ثم تنظيم الدولة الإسلامية لاحقًا.