بعد المصالحة بين أنقرة والقاهرة.. الخناق يضيق حول رقبة الإخوان في تركيا
بعد المصالحة بين أنقرة والقاهرة.. الخناق يضيق حول رقبة الإخوان في تركيا
بدأ عناصر الإخوان المسلمين في تركيا حزم أمتعتهم من جديد للبحث عن مخبأ يأويهم بعد الصلح الذي تم بين القاهرة وأنقرة بعد قطيعة دامت لسنوات طويلة، بعد عزل جماعة "الإخوان" من حكم مصر، فقامت تركيا بشن حرب إعلامية ضد مصر ثم توفير ملاذات آمنة لقيادات جماعة الإخوان الإرهابية.
الإخوان في تركيا
احتضنت تركيا عددا من الشخصيات المنتمية للإخوان وبعضهم متورط في حوادث عنف واغتيالات، ولكن مع اتجاه العلاقات بين البلدين إلى المصالحة والتقارب من جديد، ستتحول تركيا إلى مصيدة لعناصر الجماعة الإرهابية، خاصة في ظل ضعف موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة.
أبرز القيادات الإخوانية في تركيا
وأبرز الأسماء الإخوانية الموجودة في تركيا القياديان مجدي سالم ونصر الدين غزلاني، المتورطان في أحداث رابعة وكرداسة، وكانا ضمن قنوات الاتصال بين الإخوان والتكفيريين في سيناء، وكانا مكلفين من الرئيس السابق محمد مرسي بالتفاوض مع خاطفي الجنود في رفح إبان عهد الإخوان، ويحيى موسى قائد العمليات النوعية لجماعة الإخوان، وعلاء السماحي، فضلا عن عدد من قيادات حركة حسم المتواجدين في تركيا.
ذوبان الجليد
بدأ ذوبان الجليد بين البلدين جلياً في فبراير الماضي عندما أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالا هاتفيا بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، للتضامن مع أنقرة عقب الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطق بسوريا وتركيا، بعد أسابيع من المصافحة التي جرت بين الرئيسين على هامش المباراة الافتتاحية لكأس العالم لكرة القدم بقطر.
بدء محادثات المصالحة
بدأت القاهرة وتركيا في محادثات، منتصف العام الماضي، بينما عاود الجمود يفرض نفسه على العلاقات. ورغم أن القنوات المحسوبة على جماعة "الإخوان" قد استجابت لتعليمات بتخفيض حدة الانتقادات الموجهة للحكومة والنظام في مصر، بل إن إحدى هذه القنوات قد أنهت البث تماما من على الأراضي التركية، إلا أن القاهرة لديها مطالب مباشرة بضرورة تسليم العناصر المتورطة في حوادث اغتيالات.
وفيما يبدو أن الموقف المصري ثابت عند نقطة رفضه أي تنازلات بخصوص الملف الذي سبب هذا التأزم، ممثلا في الموقف من جماعة “الإخوان”. وكان لافتا غياب صورة محمد مرسي من جدارية وزارة الخارجية التي ضمت رؤساء مصر في حقب مختلفة. بغض النظر عن بقية الجوانب التي دارت ونوقشت بين الجانبين، فإن هذا التقارب المصري التركي قد يشكل أزمة إضافية، ويبعث بضغوط جمّة على جماعة “الإخوان”، سواء من الناحية التنظيمية والحركة أو السياسية والأيديولوجية، حسب موقع "ميدل إيست مونيتور".
الأزمة الاقتصادية في تركيا
وحسب المحللين فإن الجماعة تقع تحت وطأة أزمات عنيفة تجعل دورها الوظيفي يتلاشى وتضعها في أسوأ فترات تاريخها، حيث لم يعد لها ثمة وجود أو تأثير، حتى أن القواعد تفككت تنظيميا من نطاقات سيطرة القادة، للمرة الأولى تاريخيا. وبنفس درجة تباعد القاعدة الإخوانية عن قمة الهرم التنظيمي، انقسم رأس التنظيم لمحورين أحدهما في إسطنبول والآخر في لندن. هذه الأزمة التي يشهدها الإخوان على خلفية التقارب بين القاهرة وأنقرة تكمن في احتمالية قيام أنقرة بتسليم بعض الشخصيات للقاهرة، أو قد تقوم بترحيل عدد كبير منهم للخارج وإيقاف دعمها لهم؛ ما سيحد بشكل كبير من أنشطتهم، ولاسيما الإعلامية، حسب التقديرات.
التنافس الإقليمي
وبحسب مراقبين، فإن التنافس والمواجهات المحتدمة في أكثر من ملف إقليمي بين البلدين لن يحل بسهولة، بل يحتاج إلى مزيد من الوقت، واستدراكا على ذلك فإن وزيرا البلدين لم يتطرقا أبدا إلى قضية “الإخوان” أثناء تصريحاتها الرسمية والعلنية عقب الزيارات المتبادلة خلال الآونة الأخيرة. وعليه، فالتساؤلات عديدة حول تداعيات التقارب المصري التركي على جماعة “الإخوان”، وآثار ذلك في حال حدوث تقارب مصري تركي تام. مع العلم أن هناك مراحل سبقت زيارة وزير الخارجية التركي للقاهرة والتي تزامن معها الإعلان عن زيارة مرتقبة لأردوغان أيضا، وخلال هذه الفترة قبل أقل من عام تقريبا شهدت صفوف “الإخوان” ومنصاتهم تضييقات واضحة، وكذا تغيير مباشر في خطابها السياسي والإعلامي، لذا فهل سيتقلص نفوذ “الإخوان” في تركيا وتتخلى الأخيرة عن توفير الحاضنة والملاذات الآمنة لهم، وكيف ستكون المرحلة المقبلة بين البلدين وتداعياتها على هذه الملفات الخلافية ومنها الإخوان.
سياسة صفر مشكلات
وهذا التقارب يأتي في ظل جملة من الأزمات والأوضاع المرتبكة في منطقة الشرق الأوسط، حيث يحاول نظام أردوغان التعاطي معها عبر العودة إلى انتهاج إستراتيجية صفر مشكلات، لكن هناك عقبات متعددة أمام الوصول إلى تطبيع كامل في العلاقات، لعل أبرزها رغبة مصر في قيام تركيا بتسليمها عدد من قيادات الإخوان المسلمين الهاربين، وهو ما تحاول أنقرة التملص منه، بداعي أنها قامت بالفعل بتحجيم تحركات “الإخوان” داخل أراضيها، وأن الجماعة التي تعيش أسوأ فترات تاريخها، لم يعد لها وجود فعلي على الأرض.
إجراءات قاسية
ورغم ذلك اتخذت تركيا بالفعل مجموعة من الإجراءات القاسية ضد الإخوان المسلمين، لعل آخرها كان ترحيل الإعلامي الإخواني حسام الغمري من أراضيها، بعد أن تم توقيفه لفترة، كما أن “جبهة إسطنبول” الإخوانية شرعت بالفعل في تحويل مسارات الأوعية المالية الخاصة بها من تركيا إلى أماكن أخرى، بعد قيام السلطات التركية بمتابعة حركة هذه الأموال، كما تقلص نشاط هذه الجبهة في تركيا إلى حد كبير؛ ما يعني أن الملاذ الآمن بات مجرد مكان للإيواء ليس إلا، وهو ما دفع منابر التنظيم الإعلامية إلى ترك تركيا، والتوجه إلى لندن ومناطق أخرى، وفق ما يقوله إسماعيل.
ورقة الإخوان المحترقة
ولدى الإخوان مخاوف من إبعادهم من الأراضي التركية أو حتى اعتقال بعض شخصياتهم النشطة وتسليمهم لمصر، ولكن خيارات تركيا محدودة فليس هناك خيار أمامها في الوقت الراهن، سوى التوقف عن تحمّل تكلفة اللعب بورقة الإخوان المحترقة، وبالتالي سوف تحاول اختزال دعمها للتنظيم إلى أقصى حد ممكن، وربما تدفع من صدر بحقهم أحكام قضائية إلى مغادرة أراضيها، لأنها في النهاية لا تريد أن تفقد ورقة ضغط في يدها، حتى وإن أصبحت ضعيفة. هذا وقد رحَّلت السلطات التركية الإعلامي الموالي لجماعة الإخوان حسام الغمري خارج أراضيها، في فبراير الماضي، ذلك لأنه خالف التهدئة مع القاهرة وتعليمات السلطات التركية بهذا الشأن، ولم يراعِ تعليمات وضوابط الأمن القومي التركي في أمور أخرى. بالتالي، فإن التقارب بين مصر وتركيا سيحمل نتائج وآثارا سلبية على التنظيم، ولاسيما بعد تصريحات جاويش أوغلو، أن بلاده عازمة على تجاوز أي خلافات لتسريع التفاهمات مع مصر. وربما أنقرة تقوم بتقليص أنشطة الجماعة التي لا تتوقف عن انتقاد مصر وسياستها وقياديها رغم المصالحة.