ما بين نزع سلاح حماس وتعنت نتنياهو.. الهدنة تدخل أخطر مراحلها
ما بين نزع سلاح حماس وتعنت نتنياهو.. الهدنة تدخل أخطر مراحلها

مع كل يوم يمر، يتضح أن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لن تكون مجرد استكمال إداري لبنود المرحلة الأولى، بل معركة سياسية وأمنية بأبعاد متشابكة تتجاوز حدود القطاع.
فبينما يسعى الوسطاء في القاهرة والدوحة لتثبيت الهدنة وتحويلها إلى مسار مستدام، تتعثر المفاوضات أمام ملفات معقدة: من مصير الرهائن والجثامين، إلى مستقبل سلاح المقاومة وتركيبة السلطة القادمة في غزة، في الكواليس، تصطدم الرؤى الأميركية والمصرية مع المواقف الإسرائيلية المتشددة، فيما تناور حماس لتفادي الانزلاق إلى اتفاق يُضعف حضورها الميداني والسياسي.
ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن "بدء المرحلة الثانية" رغم اعتراضات ميدانية ودبلوماسية، يبدو أن ما ينتظر غزة ليس مرحلة انتقالية هادئة، بل فصل جديد من التجاذب، حيث تُختبر الإرادات وتتقاطع المصالح في أخطر ملف شرق أوسطي بعد الحرب.
عقبات في طريق الحل الأوسع
تشهد العواصم المعنية بالملف الفلسطيني من القاهرة إلى الدوحة مرورًا بتل أبيب حراكًا مكثفًا لتثبيت وقف إطلاق النار والانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق الذي يُفترض أن يضع حدًا نهائيًا للحرب، إلا أن هذه المرحلة، بحسب مصادر دبلوماسية متعددة، تبدو الأكثر تعقيدًا منذ بدء النزاع، ليس فقط لأنها تمسّ الترتيبات الأمنية والسياسية المقبلة في القطاع، بل لأنها تمثل اختبارًا لقدرة الأطراف على تجاوز الحسابات الآنية نحو حلّ أوسع للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن "المرحلة الثانية لم تبدأ فعليًا، لأن المرحلة الأولى لم تكتمل بعد"، ويوضح أن تباطؤ تسليم جثامين الرهائن الإسرائيليين خلق أزمة ثقة بين الجانبين، إذ تعتبر إسرائيل أن حماس تتعمد التأخير، بينما تؤكد الحركة أن بعض الجثث لا يمكن الوصول إليها بسبب الأنقاض، مشيرًا إلى أن هذا الملف أصبح ذريعة إسرائيلية لتعطيل البنود المتبقية من المرحلة الأولى، مثل توسيع إدخال المساعدات وفتح معبر رفح بشكل كامل.
ويضيف فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن "أبرز العقبات تتمثل في رفض حماس القاطع لفكرة نزع السلاح، وهو الشرط الذي تصر عليه إسرائيل لاعتبار الاتفاق ناجزاً".
هذا الشرط، برأي خبراء، يجعل من المرحلة الثانية أشبه بحقل ألغام سياسي، إذ ترى حماس في نزع سلاحها نهاية لدورها المقاوم، بينما تعتبر تل أبيب أن أي اتفاق من دون ضمانات أمنية كاملة سيكون بلا معنى.
حماس لم توافق رسميًا على بنود المرحلة الثانية
ورغم تصريحات البيت الأبيض التي اعتبرت أن المرحلة الأولى “اكتملت بصورة مناسبة”، فإن الواقع الميداني لا يعكس الاستقرار المنشود، فمصادر مصرية وأميركية أكدت أن حماس لم تقدّم موافقة رسمية على بنود المرحلة الثانية، بل أحالت النقاط الحساسة إلى موقف وطني جامع، في محاولة لتجنّب الانفراد بالقرار حول قضايا تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية برمتها.
وتتضمن القضايا العالقة ملفات متعددة، مصير حركة حماس داخل غزة، إعادة الإعمار، وآلية تشكيل الأجهزة الأمنية التي يُفترض أن تتولى إدارة القطاع خلال المرحلة الانتقالية، وتشير مصادر مطلعة إلى أن مقترح تشكيل قوة أمنية مشتركة من فصائل فلسطينية مستقلة لم يلق قبولاً كاملاً، خصوصًا في ظل تباين الرؤى حول الإشراف الدولي على تلك القوة.
عراقيل إسرائيلية
أما الحديث عن قوة عربية دولية لدعم الاستقرار، فيبقى نقطة خلافية أخرى، فبينما تدفع مصر والولايات المتحدة نحو إدخال هذه القوة بإشراف أممي، تعارض إسرائيل أي وجود تركي أو إسلامي ضمنها، ووفق تسريبات دبلوماسية، أبدت دول مثل: قطر والأردن وأذربيجان وإندونيسيا استعدادها للمشاركة، فيما تعمل القاهرة حاليًا على صياغة مشروع قرار لتمريره في مجلس الأمن يمنح القوة غطاءً قانونيًا.
وعلى الصعيد السياسي، تزداد الأمور تعقيدًا بعد موافقة الكنيست الإسرائيلية مبدئيًا على ضم أجزاء من الضفة الغربية، في خطوة أثارت غضب الوسطاء وأضعفت الثقة في نوايا تل أبيب.
ويرى مراقبون، أن هذه الخطوة ليست سوى محاولة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لكسب تأييد اليمين الإسرائيلي، في وقت يواجه فيه ضغوطًا أميركية متواصلة لدفع الاتفاق إلى الأمام.
ورغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر "تروث سوشيال" بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، إلا أن مصادر مصرية وصفته بـ"الإعلان السياسي أكثر منه الواقعي"، مؤكدة أن المفاوضات لم تنتقل فعليًا إلى البنود التنفيذية بعد.
فمسألة نزع السلاح تبقى رهينة توازنات القوة على الأرض، فيما ما تزال إعادة إعمار غزة ومصير إدارتها موضوعين مفتوحين على احتمالات عدة.