بين ضعف النظام وانشغال الحلفاء.. ماذا يحدث في سوريا؟
بين ضعف النظام وانشغال الحلفاء.. ماذا يحدث في سوريا؟
شهد شمال سوريا واحدة من أكبر العمليات العسكرية خلال السنوات الأخيرة، حيث شنت "هيئة تحرير الشام" وفصائل متحالفة معها هجومًا مباغتًا استهدف مناطق يسيطر عليها النظام السوري، تمكنت الفصائل من السيطرة على أجزاء واسعة من مدينة حلب والعديد من القرى المحيطة، ما أحدث تغييرًا ميدانيًا غير مسبوق منذ أعوام، يأتي هذا الهجوم في وقت تعاني فيه الحكومة السورية من تراجع الدعم العسكري الروسي والإيراني، إضافة إلى تصاعد التوترات الإقليمية، الهجوم، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص، بينهم مدنيون ومقاتلون، يعيد تسليط الضوء على هشاشة الوضع العسكري للنظام السوري، وسط تساؤلات حول تأثير التطورات الإقليمية على المشهد السوري ومستقبل المناطق التي تم انتزاعها من قبضة دمشق.
*هجوم مباغت وخسائر ثقيلة*
في أكبر عملية عسكرية منذ سنوات، تمكنت هيئة تحرير الشام، التي كانت تعرف سابقاً بـ"جبهة النصرة"، من تحقيق تقدم ميداني نوعي بالتعاون مع فصائل مسلحة أخرى.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الهجوم أسفر عن مقتل 311 شخصاً، بينهم مقاتلون من الجانبين، إضافة إلى مدنيين قُتل أغلبهم في غارات جوية روسية.
تقدمت الفصائل على جبهة طولها 100 كيلومتر تقريباً؛ ما أدى إلى انهيار سريع لخطوط النظام في مدينة حلب.
ووفقاً للمصادر الميدانية، تمكنت المعارضة من قطع طريق دمشق-حلب الدولي، والسيطرة على تقاطع استراتيجي بين طرق تصل حلب بدمشق واللاذقية.
الجيش السوري أقر بدخول الفصائل المسلحة إلى "أجزاء واسعة" من حلب، مع تكبّده خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.
هذا التراجع أثار تساؤلات حول قدرة النظام على إدارة المعارك في ظل تراجع الدعم الميداني من حلفائه التقليديين.
*توقيت الهجوم: حسابات سياسية وعسكرية دقيقة*
الهجوم جاء في لحظة إقليمية ودولية حساسة، فمع انشغال القوى الكبرى مثل روسيا بحربها في أوكرانيا، وانكفاء إيران نتيجة المواجهة الطويلة مع إسرائيل، وجدت الفصائل المسلحة فرصة للتحرك.
من جانبها، تقول دارين خليفة، الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، إن الهجوم كان مخططاً له منذ أشهر، وجرى تصويره كخطوة "دفاعية" ضد تصعيد محتمل من النظام، وتضيف: "توقيت الهجوم لم يكن عشوائياً، بل ارتبط بتغيرات جيواستراتيجية، أبرزها ضعف الحضور الروسي، وانشغال حزب الله بالصراع مع إسرائيل".
الهجوم تزامن أيضاً مع وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان؛ مما أتاح للفصائل السورية مساحة للمناورة وسط انشغال إقليمي ودولي.
وتوضح خليفة، أن "الفصائل أدركت أن هذا الوقت مثالي للتحرك في ظل ضغط القوى الإقليمية على حلفاء النظام، بما في ذلك تركيا التي أصبحت أكثر جرأة في مواجهة روسيا".
*ردود الفعل الدولية والإقليمية: صمت مشوب بالتحفظ*
رغم ضخامة الهجوم، لم تصدر ردود فعل تصعيدية واضحة من القوى الدولية، روسيا، الحليف الأبرز للنظام السوري، جاء ردها عبر المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الذي أوضحأن الوضع في حلب "انتهاك لسيادة سوريا"، وأعرب عن دعم بلاده "للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية عبر منصة إكس: إنّ الاشتباكات الأخيرة "أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية".
من جانبها، دعت تركيا إلى وقف الهجمات على إدلب ومحيطها، حيث تشكل المنطقة معقلاً للمعارضة المسلحة. في بيان رسمي، أعربت أنقرة عن قلقها من التصعيد، مشيرة إلى ضرورة تهدئة الأوضاع على الحدود.
أما إيران، التي تعتبر داعماً رئيسياً للنظام السوري، فجددت موقفها الداعم لدمشق. وأكد وزير الخارجية الإيراني خلال اتصال مع نظيره السوري، أن بلاده ستواصل دعمها في مواجهة "الإرهاب".
*ضعف النظام*
أثار انهيار خطوط النظام تساؤلات حول مدى هشاشته في مواجهة تحديات داخلية دون دعم خارجي مباشر، منذ التدخل الروسي في سوريا عام 2015، اعتمد النظام بشكل كبير على الدعم الجوي الروسي وعلى المليشيات المدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله.
لكن الظروف تغيرت، فروسيا مشغولة بحربها في أوكرانيا، وأصبح دورها في سوريا محدوداً، كما تراجع دور حزب الله نتيجة استنزافه في المواجهة مع إسرائيل خلال النزاع الأخير.
وفقاً للمحلل الأمريكي آرون شتاين، فإن "انشغال روسيا في أوكرانيا قلل من فاعلية الغارات الجوية السريعة، وأضعف الدعم اللوجستي لقوات النظام".
ويرى شتاين، أن الهجوم الحالي يكشف عن "مدى هشاشة النظام الذي أصبح مطمئناً أكثر مما ينبغي في السنوات الأخيرة"، وفقًا لـ"رويترز".