لبنان أمام اختبار الهدنة الهشّة.. خروقات إسرائيلية وتصعيد محتمل
لبنان أمام اختبار الهدنة الهشّة.. خروقات إسرائيلية وتصعيد محتمل
يواجه اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل أولى اختباراته الصعبة، حيث تستمر الخروقات الإسرائيلية لليوم الثالث على التوالي، وسط صمت دولي وتحفظ رسمي لبناني، في الوقت ذاته، تتوجه الأنظار إلى الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تثبيت الهدنة والانتقال إلى استحقاقات سياسية، أبرزها انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.
*الخروقات الإسرائيلية: تصعيد متواصل وتجاهل للاتفاق*
رغم إعلان الهدنة، واصلت إسرائيل خرقها للقرار الدولي 1701 ولوقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل أيام، هذه الخروقات شملت قصفاً متفرقاً وتحليقاً مكثفاً للطائرات الحربية فوق مناطق لبنانية.
لبنان الرسمي اكتفى حتى الآن بتسجيل هذه الخروقات لدى الأمم المتحدة، دون اتخاذ خطوات تصعيدية.
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الهدنة زادت من غموض الموقف، حيث قال: "ما يحدث ليس وقفاً للحرب، بل مجرد وقف لإطلاق النار وقد يكون قصيراً".
هذه التصريحات توحي بأن إسرائيل قد تعود للتصعيد العسكري في حال استدعى الأمر؛ مما يضع الاتفاق تحت ضغط كبير ويزيد من هشاشته.
*الاتفاق: مزيج من الأبعاد العسكرية والسياسية*
اتفاق وقف النار الجديد يختلف عن الاتفاقات السابقة مثل ذلك الذي أنهى حرب يوليو 2006. فهو ينص على انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية خلال 60 يوماً، بدلاً من الانسحاب الفوري، ما يثير تساؤلات حول مدى التزام الأطراف المعنية ببنوده.
الاتفاق لا يقتصر على الجوانب العسكرية، بل يمتد إلى أبعاد سياسية وأمنية شاملة. تشمل هذه الأبعاد تفكيك مخازن الأسلحة ومصانعها في جميع أنحاء لبنان، ومنع تهريب الأسلحة عبر الحدود مع سوريا، إضافة إلى تعزيز الرقابة على المطارات والمرافئ.
*الدور الدولي: ضغط أم دعم؟*
الدور الدولي في تثبيت الهدنة يبدو محورياً، فقد وصل إلى بيروت الجنرال الأمريكي المكلف برئاسة لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، كما أن جهود الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تأتي في سياق محاولة تعزيز الاستقرار الداخلي عبر الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية.
بحسب مصادر سياسية، يشكل الاتفاق جزءاً من استراتيجية دولية لإعادة بناء المؤسسات اللبنانية، بما يشمل تشكيل حكومة جديدة وإجراء إصلاحات اقتصادية. إلا إن نجاح هذه الجهود يتطلب توافقاً داخلياً لبنانياً، وهو ما يبدو غائباً في الوقت الراهن.
*التحديات على الأرض*
أحد أبرز التحديات التي يواجهها الاتفاق هو انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني، بما يتماشى مع القرار 1701.
الاتفاق ينص على نشر الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في هذه المنطقة، مع انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية خلال مهلة الـ60 يوماً.
لكن مراقبين يشيرون إلى صعوبة تنفيذ هذا البند، في ظل تعقيدات المشهد اللبناني الداخلي وعدم وجود توافق سياسي واضح حول سلاح حزب الله ودوره.
كما أن تعزيز قدرات الجيش اللبناني يحتاج إلى دعم خارجي كبير، وهو أمر مرتبط بمدى التزام لبنان بالإصلاحات المطلوبة.
*الأبعاد السياسية للاتفاق: انتخاب رئيس وترميم الدولة*
على الصعيد السياسي، يُعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية محطة رئيسية في استكمال تنفيذ الاتفاق.
رئيس مجلس النواب نبيه بري حدد جلسة 9 يناير المقبل لانتخاب الرئيس، داعياً سفراء الدول المعتمدين في لبنان لحضور الجلسة في خطوة تعكس الأهمية الدولية لهذا الاستحقاق.
ويُنظر إلى الاتفاق كفرصة لتفعيل المؤسسات الدستورية اللبنانية، بما يتيح استعادة الثقة الدولية وتأمين الدعم اللازم لإعادة الإعمار. إلا إن تحقيق هذا الهدف يتطلب توافقاً داخلياً وإرادة سياسية قادرة على تجاوز الانقسامات.
من جانبه، أكد د. طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية، أن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الأطراف الدولية على فرض الاستقرار في منطقة تعج بالتوترات.
وأوضح فهمي لـ"العرب مباشر"، أن الجانب الإسرائيلي يبدو مصممًا على ممارسة الضغوط الميدانية عبر الخروقات المتكررة للهدنة، بهدف انتزاع تنازلات إضافية من لبنان، سواء في الملفات الأمنية أو السياسية، مثل ترسيم الحدود البرية وتعزيز الرقابة على المعابر.
وأضاف فهمي، أن هذا الاتفاق يأتي في سياق سياسي حساس للغاية، حيث يُتوقع أن يكون له تأثير مباشر على الجهود الرامية لانتخاب رئيس جديد للبنان.
وشدد على أن نجاح الهدنة يتطلب من الأطراف الدولية الراعية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، تكثيف الضغوط لضمان التزام إسرائيل بالقرار 1701، والعمل في الوقت ذاته على تقديم ضمانات للبنان لتجنب استغلال الاتفاق لصالح أجندات دولية أو إقليمية.