أشقاء وحدود ومصالح.. القاهرة تعيد تشكيل معادلة ليبيا السياسية
أشقاء وحدود ومصالح.. القاهرة تعيد تشكيل معادلة ليبيا السياسية

في لحظة فارقة من مسار الأزمة الليبية، تعود القاهرة لتؤكد أنها ليست مجرد وسيط، بل طرف مركزي في معادلة الاستقرار الإقليمي، خلال أسبوع واحد، استقبلت العاصمة المصرية اثنين من أبرز الفاعلين في المشهد الليبي، رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.
لقاءان متتاليان لم يكونا عابرين، بل يشكلان مؤشرًا واضحًا على تكثيف الجهود المصرية لإحداث اختراق سياسي يتيح توحيد المؤسسات الليبية وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات طال انتظارها،
ومع تشابك الخريطة الليبية إقليميًا ودوليًا، تبدو القاهرة حريصة على الجمع بين ثوابت سياستها الخارجية ومرونة التحرك الدبلوماسي. لكن السؤال المحوري يظل: هل تملك مصر بالفعل مفاتيح الحل؟
*حفظ التوازن*
خلال أيام قليلة، أعادت القاهرة ضبط إيقاع التحركات السياسية في الملف الليبي، مستضيفة على نحو متتالٍ المستشار عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر، في تحرك لافت يكشف عن عودة مصرية قوية إلى خط الأزمة الليبية، ولكن هذه المرة بمقاربة أكثر تنظيمًا واستباقية.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يكتفِ بالتأكيد على المبادئ المعروفة للسياسة المصرية تجاه ليبيا، بل شدد صراحة على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت واحد، باعتبارها حجر الزاوية في أي حل مستدام.
دعوته لخروج القوات الأجنبية من ليبيا أعادت رسم أولويات التسوية، واضعة الأمن والسيادة في صدارة المشهد.
الخبير المصري في العلوم السياسية، د. محمد المنجي، يرى أن القاهرة تنطلق في تعاطيها مع الأزمة الليبية من موقع مبدئي واستراتيجي، مؤسس على دعم الدولة الوطنية الليبية ورفض أي تدخلات خارجية تهدد نسيجها ووحدتها.
ويضيف في تصريحاته لـ"العرب مباشر": أن مصر تنظر إلى ليبيا كامتداد لأمنها القومي، وهو ما يجعل دعمها لاستقرار جارتها الغربية مسألة أمن وطني لا تقبل المجاملة.
يشير د. المنجي إلى أن رصيد القاهرة السياسي في الداخل الليبي لا يزال قويًا، بفعل علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، وتاريخها في جمع الفرقاء الليبيين، سواء عبر المسارات الدستورية أو العسكرية أو الحوار السياسي.
ويؤكد أن مصر تحظى بتقدير إقليمي ودولي، نتيجة أدائها الهادئ والدقيق، وقدرتها على حفظ التوازن بين مصالحها وتحالفاتها، دون الانزلاق إلى محاور متصارعة.
*مصر قادرة*
من جانبه، يؤكد الخبير الليبي محمد الترهوني، أن مصر ليست مجرد داعم، بل "ضامن" ضمني لأي مسار يمكن أن يقود إلى تسوية حقيقية في ليبيا.
ويرى في تصريحاته لـ"العرب مباشر"، أن الاستقرار النسبي الذي تشهده مناطق الشرق الليبي، خصوصًا برقة وفزان، هو نتيجة مباشرة للدور المصري في دعم المؤسستين الشرعيتين: مجلس النواب والجيش الوطني.
ويشير الترهوني، أن التوترات الإقليمية، سواء في ملف الحدود البحرية أو في المثلث الصحراوي الحدودي، تجعل من التنسيق المصري الليبي أكثر من ضرورة. ويعتبر أن تحركات القاهرة تأتي في وقت حرج، خاصة في ظل إعادة رسم توازنات القوى في المنطقة، ومساعي بعض الدول لبسط نفوذها عبر وكلاء محليين داخل ليبيا.
وبحسب الترهوني، فإن مصر قادرة على دفع عجلة الحل، لما تمتلكه من ثقل إقليمي، وقدرة على الحوار مع جميع الأطراف، فضلًا عن قدرتها على التنسيق مع البعثة الأممية ودول مؤتمر برلين.
ويشدد على أن إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، كما دعا إليه الرئيس السيسي، ليس مجرد شرط أمني، بل هو مفتاح نجاح أي مرحلة انتقالية حقيقية.
*الأقتراب الهادئ*
من جهته، يرى د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، أن الدور المصري في ليبيا لم يعد مجرد عنصر داعم من الخارج، بل أصبح ركيزة رئيسية لأي تسوية سياسية ممكنة، نظرًا لما تمتلكه القاهرة من أدوات تأثير تمتد من البعد الأمني إلى الحضور الدبلوماسي النشط.
ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن ما يميز التحرك المصري هو اعتماد استراتيجية "الاقتراب الهادئ" التي توازن بين دعم المؤسسات الليبية الشرعية والانفتاح على كافة الأطراف، بما فيها تلك التي تختلف في الرؤية السياسية أو التموضع الجغرافي.
ويضيف فهمي، أن القاهرة باتت تُنظر إليها كفاعل محوري من قبل العواصم الغربية ودول الجوار، خاصة بعد نجاحها في إدارة ملفات إقليمية حساسة مثل غزة والسودان، أما في الحالة الليبية، فإن تدخلها يحظى بشرعية شعبية ورسمية نابعة من علاقات تاريخية، وتفاهمات أمنية طويلة المدى، خصوصًا في الشرق الليبي.
ويشدد على أن إخراج القوات الأجنبية من ليبيا، كما طالب الرئيس السيسي، يمثل اختبارًا حقيقيًا لإرادة المجتمع الدولي، كما أن نجاح مصر في دعم الانتخابات الليبية المقبلة سيُعد انتصارًا للدبلوماسية الإقليمية الرصينة، ويمنحها دفعة جديدة في ملفات أكثر تعقيدًا في المنطقة، على رأسها أمن المتوسط والمصالحة الإقليمية.
ومع اقتراب الانتخابات الليبية من جديد إلى واجهة النقاش، تعول مصر على تفعيل آلية دول الجوار لتقريب وجهات النظر، وضمان عدم الانزلاق إلى العنف أو الفوضى مجددًا.
ويبدو أن القاهرة تراهن على قدرتها على تحويل توافقاتها الثنائية مع الأطراف الليبية إلى مظلة تفاهم إقليمي أوسع.