من السياسة إلى التقنية.. إيران وأمريكا تخوضان سباق التفاصيل النووية
من السياسة إلى التقنية.. إيران وأمريكا تخوضان سباق التفاصيل النووية

تنتقل المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني المتسارع، يوم الأربعاء، إلى ما يُعرف بـ "المستوى الفني"، في خطوة اعتبرها محللون إشارة واضحة على أن المحادثات تشهد تقدمًا ملحوظًا.
وأكدت شبكة "إيه بي سي نيوز" الأمريكية، أنه رغم ذلك، فإن خبراء غير مشاركين في المفاوضات حذروا، من أن هذه الخطوة لا تعني بالضرورة أن التوصل إلى اتفاق بات وشيكًا، بل إنها تعكس استمرار الحوار بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، دون أن تشهد المحادثات انهيارًا في المسار الأساسي القائم على مقايضة تقليص البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
تقدم واقعي في ظل مطالب براغماتية
وأوضحت كيلسي دافنبورت، مديرة سياسات عدم الانتشار في جمعية الحد من التسلح، والتي تتابع البرنامج النووي الإيراني منذ سنوات، أن الاتفاق على بدء محادثات فنية يعني أن الطرفين يتبنيان أهدافًا واقعية وبراغماتية، ويبدوان رغبة في الخوض بتفاصيل الملف.
وأضافت، أنه لو كان ويتكوف يطرح مطالب متشددة، مثل تفكيك برنامج التخصيب بالكامل، لما كان هناك أي دافع لدى إيران للموافقة على المفاوضات الفنية.
مع ذلك، ما تزال القضايا الفنية مليئة بالألغام المحتملة. من بين أبرز التساؤلات التي ستُطرح على الطاولة: ما هو المستوى من تخصيب اليورانيوم الذي يمكن أن تقبل به الولايات المتحدة؟ ماذا عن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، والذي كان من أبرز أسباب انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018؟ وما هي العقوبات التي يمكن رفعها، وتلك التي ستظل مفروضة على الجمهورية الإسلامية؟
وفي هذا السياق، قال ريتشارد نيفيو، الزميل المشارك في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمسؤول السابق عن ملف العقوبات الإيرانية في وزارة الخارجية الأميركية - خلال مفاوضات الاتفاق النووي لعام 2015-: إن قيمة المحادثات الفنية تكمن في وجود التزام سياسي فعلي، بحيث يقتصر دور الخبراء على تحديد التفاصيل. أما إذا كان عليهم مناقشة قضايا كبرى دون توافق سياسي مسبق، فإن النتيجة قد تكون مجرد مضيعة للوقت.
دروس من اتفاق 2015
شهد اتفاق 2015 مشاركة مباشرة من كبار الخبراء من الجانبين. ففي عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لعب وزير الطاقة إرنست مونيز دورًا محوريًا إلى جانب علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية آنذاك، وقد كانت الخلفية التقنية للطرفين عنصرًا أساسيًا في التوصل إلى تفاصيل الاتفاق.
وتضمن الاتفاق أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3.67%، وألا تحتفظ بمخزون يزيد عن 300 كيلوغرام. أما اليوم، فإن إيران تخصب بعض اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهو ما يمثل خطوة تقنية قصيرة نحو مستوى 90% اللازم لصناعة السلاح النووي.
وبحسب آخر تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير الماضي، فقد بلغ إجمالي مخزون إيران من اليورانيوم 8,294.4 كيلوغرامًا.
كما حد الاتفاق من أنواع أجهزة الطرد المركزي التي يُسمح لإيران باستخدامها، ما أدى إلى إبطاء قدرتها على التسريع نحو إنتاج القنبلة النووية، حال قررت ذلك، وتضمن الاتفاق كذلك جداول زمنية لكيفية رفع العقوبات ومتى يتم ذلك.
أهمية الجانب الفني في إنجاح أي اتفاق
يرى المحللون، أن بلوغ تفاصيل مثل القيود والجدول الزمني وسبل تخفيف العقوبات يتطلب خبرة فنية دقيقة.
وفي هذا الإطار، أكدت دافنبورت، أن الاتفاقات الخاصة بعدم الانتشار لا تكتسب معناها إلا إذا كانت قابلة للتنفيذ والمراقبة الفعالة.
وشددت على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى فريق فني قوي لصياغة القيود الدقيقة وآليات المراقبة الصارمة، من أجل كشف أي تحرك إيراني نحو امتلاك السلاح النووي في وقت مبكر، بما يسمح بالرد المناسب.
وما يزال من غير الواضح من هم الخبراء الذين سيمثلون الجانبين في هذه الجولة من المفاوضات. كما أن الجانبين لم يكشفا كثيرًا عن فحوى المحادثات حتى الآن، رغم أنهما أبديا قدرًا من التفاؤل بشأن وتيرتها.
تصريحات متضاربة تشير إلى خلافات تحت السطح
وأشارت الشبكة الأمريكية، أن إحدى النقاط الخلافية ظهرت بعد تصريحات أدلى بها ويتكوف في مقابلة تلفزيونية، تحدث فيها عن إمكانية سماح الولايات المتحدة لإيران بالتخصيب حتى 3.67%، وهو المستوى نفسه الذي حدده اتفاق 2015.
هذا التصريح أثار ردود فعل، دفعت ويتكوف بعد ساعات قليلة إلى إصدار بيان قال فيه: إن أي اتفاق مع إيران لن يُبرم إلا إذا كان اتفاقًا خاصًا بإدارة ترامب.
وأضاف: أن إيران يجب أن توقف وتلغي برنامجها للتخصيب والتسليح النووي.
ردًا على ذلك، صرّح عباس عراقجي، أن إيران لن تتخلى عن حقها في التخصيب، قائلاً: إن مسألة التخصيب نفسها غير قابلة للتفاوض.
تفاؤل حذر بشأن مسار المفاوضات
وتابعت، أنه رغم هذا التوتر، فإن الخبراء الذين تحدثوا إلى وكالة أسوشيتد برس عبروا عن تفاؤلهم النسبي بشأن الاتجاه العام للمفاوضات.
وقال آلان إير، الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي شارك في مفاوضات نووية سابقة مع طهران: إن وتيرة التقدم مشجعة، لا سيما مع البدء بالمفاوضات الفنية هذا الأسبوع.
وأضاف: أنه لا توجد حتى الآن خطوط حمراء متناقضة بين الطرفين، مما يشير أن الطريق لدما يزال سالكًا أمام احتمال التوصل إلى اتفاق.
ومن جهته، اعتبر ريتشارد نيفيو أن الوصول إلى المستوى الفني يمثل مؤشرًا إيجابيًا، لكنه حذر من أن العمل الحقيقي في المفاوضات ربما بدأ لتوه.
وأوضح، أن هذا المستوى يتطلب الغوص في تفاصيل دقيقة ومناقشة مفاهيم قد لا تكون واضحة لكبار المسؤولين، مشيرًا إلى أن مثل هذه الاجتماعات قد تُستخدم أحيانًا كوسيلة لتأجيل اتخاذ قرارات سياسية كبرى أو لتفاديها.
أما كوري هيندرستاين، نائبة رئيس قسم الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والخبيرة النووية السابقة في الحكومة الأميركية، فأعربت عن شعورها بـ "تفاؤل حذر" حيال بدء المحادثات الفنية.
وأكدت، أن رؤساء الوفود هم من يحددون الأهداف الاستراتيجية ويعرفون النجاح، لكن إن كان هناك اتفاق سيتم التوصل إليه، فإن الخبراء الفنيين هم من سينجزونه فعلاً.