ألمانيا تُعيد رسم خريطتها الأمنية: تأسيس هيئة لتعقب الإخوان وتفكيك شبكات التمويل عبر أوروبا

ألمانيا تُعيد رسم خريطتها الأمنية: تأسيس هيئة لتعقب الإخوان وتفكيك شبكات التمويل عبر أوروبا

ألمانيا تُعيد رسم خريطتها الأمنية: تأسيس هيئة لتعقب الإخوان وتفكيك شبكات التمويل عبر أوروبا
جماعة الإخوان

في خطوة تعكس تحوّلًا لافتًا في الرؤية الأمنية والسياسية داخل ألمانيا، اتجهت الحكومة الاتحادية نحو إعادة تقييم مخاطر تنظيم الإخوان بعد تزايد المؤشرات على تعاظم تأثيره داخل المجتمع الألماني، سواء عبر خطاب سياسي مُقنّع بعبارات حقوقية أو من خلال شبكات تمويل معقدة عابرة للحدود، وتأتي هذه الخطوة وسط شعور متنامٍ لدى دوائر صنع القرار بأن التنظيم، الذي لطالما حاول الظهور كحركة دينية معتدلة، بات يمثل تهديدًا حقيقيًا للبنية الديمقراطية الألمانية، خاصة مع قدرته على التغلغل في مختلف المستويات الاجتماعية والمؤسساتية، وبحسب مصادر حكومية، لم يعد الاكتفاء بالتدابير الأمنية التقليدية كافيًا، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية إلى إطلاق مبادرة واسعة النطاق تهدف إلى بناء رؤية شاملة تتجاوز التعامل الأمني المباشر، لتشمل الأبعاد الفكرية والمجتمعية والاقتصادية المرتبطة بنشاط الجماعة، هذه الخطة الجديدة قد تعيد صياغة طريقة تعامل أوروبا ككل مع التنظيم خلال السنوات المقبلة.

تصور جديد لمكافحة التطرف


أطلقت وزارة الداخلية الألمانية مبادرة غير مسبوقة تهدف إلى سد الثغرات التي استغلها تنظيم الإخوان خلال السنوات الماضية لتوسيع نفوذه داخل ألمانيا ودول أوروبية مجاورة. وبحسب مسؤول حكومي بارز تحدّث لوسائل إعلام في برلين، فإن القرار جاء بعد شهور من التحليل والتدقيق في أنماط عمل التنظيم، حيث تبين للجهات المختصة أن الجماعة لا تعتمد فقط على الخطاب الدعوي، بل تنشط عبر شبكات تمويل ونشاطات تنظيمية ذات تأثير طويل المدى قد ينعكس سلبًا على المجتمع الألماني.


وتستند الخطة الجديدة إلى إنشاء هيئة استشارية متخصصة تُعد الأولى من نوعها، بحيث تجمع بين الخبرة الأمنية والرؤية الأكاديمية والمعرفة المجتمعية. وتعمل الهيئة، المؤلفة من خمسة عشر خبيرًا، على رسم صورة دقيقة للواقع الأيديولوجي الذي تتحرك ضمنه الجماعة، مع التركيز على تمييز الدين الإسلامي باعتباره جزءًا من النسيج الألماني المتعدد الثقافات، عن الأيديولوجيا السياسية التي يعتمدها الإخوان في مساعيهم لبناء نفوذ سياسي واجتماعي طويل الأمد.

ما وراء الإجراءات الأمنية


تؤكد مصادر حكومية أن ألمانيا باتت مقتنعة بأن التعامل مع الإسلام السياسي، وعلى رأسه الإخوان، لا يمكن أن يقتصر على مراقبة المساجد أو تعقب التحويلات المالية. فالجماعة وفق تقديرات رسمية تعتمد على أساليب أكثر تطورًا، منها التغلغل داخل المؤسسات الثقافية والتعليمية، وبناء شبكات علاقات مع جمعيات تبدو للوهلة الأولى إنسانية أو اجتماعية.


هذا الإدراك دفع وزارة الداخلية إلى اعتماد استراتيجية متعددة المحاور، تشمل تحليل الخطاب الأيديولوجي، وفهم كيفية توظيف الدين في سياقات سياسية، إضافة إلى تفكيك آليات التمويل التي تصل بعضها من خارج أوروبا عبر قنوات يصعب تتبعها دون تعاون دولي مباشر.

مهمة تتجاوز الرصد إلى صناعة القرار


الهيئة الجديدة ستكون مسؤولة عن تقديم تقارير دورية للحكومة، وقد يؤدي تراكم هذه التقارير خلال الأشهر المقبلة إلى اتخاذ قرار قد يُعد الأكثر حساسية في هذا الملف وهو إدراج جماعة الإخوان في قائمة التنظيمات الإرهابية رسميًا داخل ألمانيا.


ويتوقع مراقبون أن يؤدي ذلك إلى إعادة رسم العلاقات بين الحكومة وبين عشرات الجمعيات التي تعمل منذ سنوات تحت مظلات مختلفة لكنها ترتبط — بشكل مباشر أو غير مباشر —بالتنظيم.


ويمتاز تشكيل الهيئة بتنوع اختصاصات أعضائها، إذ تضم خبراء في علوم الدين والاجتماع، ومسؤولين من الأجهزة الأمنية، ومتخصصين في برامج الوقاية من التطرف. وهذا التنوع يهدف إلى تقديم معالجة شاملة تتجاوز الحلول الأمنية الضيقة، وترتكز على الفهم العميق للبنية الاجتماعية التي تسمح للجماعات المتطرفة بالتمدد.

خطة مشتركة بين الحكومة والولايات: نحو سياسة موحدة
ومن المنتظر أن تُعرض خلال الفترة المقبلة خطة عمل موحدة يتم إعدادها بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات الألمانية، بحيث تعتمد على مستويات متعددة من التدخل. وتشمل أبرز محاور الخطة:


مكافحة التطرف الرقمي


 حيث سيتم تطوير آليات لرصد المحتوى المتطرف على منصات التواصل الاجتماعي، مع تعزيز التعاون مع الشركات المزوّدة للخدمات الرقمية، وتدريب العاملين على كشف الخطاب التحريضي المقنّع.

تأهيل الموظفين الحكوميين


وذلك عبر برامج تدريبية تساعدهم على التفريق بين الممارسات الدينية الطبيعية ومحاولات التوظيف السياسي أو الأيديولوجي للدين.


ملاحقة التمويل الخارجي


عبر تدقيق التحويلات المالية الواردة من خارج ألمانيا وربطها بنشاطات جمعيات محلية قد تعمل ضمن أذرع الإخوان في أوروبا.

دعم الاندماج داخل المجتمع


 وتشجيع المبادرات التي تمنع استغلال الشباب المسلمين، لا سيما في المناطق التي تشهد هشاشة اجتماعية أو اقتصادية.