دان دريسكول… من هو المهندس الخفي في استراتيجية واشنطن لإنهاء الحرب الأوكرانية؟

دان دريسكول… من هو المهندس الخفي في استراتيجية واشنطن لإنهاء الحرب الأوكرانية؟

دان دريسكول… من هو المهندس الخفي في استراتيجية واشنطن لإنهاء الحرب الأوكرانية؟
الولايات المتحدة

في خضمّ الزلازل الجيوسياسية التي يشهدها العالم خلال السنوات الأخيرة، تبرز شخصيات غير متوقعة لتجلس في قلب العاصفة، وتتحول إلى صناع قرار يحددون مسارات الصراع والسلم معًا، ومن بين هذه الأسماء التي لمع نجمها سريعًا في واشنطن يبرز دان دريسكول، الرجل الذي وجد نفسه فجأة في موقع اللاعب المحوري بملف هو الأكثر حساسية على الساحة الدولية: الحرب في أوكرانيا، لم يكن أحد يتوقع أن الوزير الأصغر سنًا في تاريخ وزارة الجيش الأمريكية سيصبح اليوم عرّاب الاتصالات السرية بين القوى الكبرى، ولا أن يمارس دورًا قد يغيّر مستقبل أوروبا الشرقية وربما يعيد رسم ملامح النظام العالمي، ومع تكليف الرئيس دونالد ترامب له بمهمة هندسة تسوية سياسية للصراع الروسي–الأوكراني، تبدو واشنطن وكأنها تراهن على عقل جديد، وأسلوب مغاير، وشخصية تجمع بين صرامة الميدان وهدوء القانون وثقة القيادة.

رسالة سياسية من البيت الأبيض


يتقدّم دان دريسكول اليوم بخطوات ثابتة نحو قلب المنظومة الأمنية والدبلوماسية الأمريكية، في لحظة تحتاج فيها واشنطن إلى شخصية تجمع بين الانضباط العسكري والبراعة السياسية، فمنذ تعيينه وزيرًا للجيش، حرص الرئيس دونالد ترامب على إبقائه ضمن دائرة الثقة الضيقة، مانحًا إياه مساحات واسعة من التأثير، خصوصًا في الملفات التي تتطلب حساسية فائقة وسرية عالية.


لم يكن إرسال دريسكول إلى كييف لعرض خطة سلام مؤلفة من 28 بندًا مجرد مهمة بروتوكولية، بل كان رسالة سياسية واضحة، الرجل هو المفاوض الأول، وصاحب التفويض الأوسع، وقد تخطى دوره حدود وزارة الجيش، ليتحول إلى قناة اتصال مباشرة مع موسكو، متجاوزًا مؤسسات دبلوماسية تقليدية كوزارة الخارجية والمبعوثين الخاصين، هذا الأسلوب غير المألوف يعكس أسلوب ترامب الذي يفضّل الاعتماد على الأشخاص الذين يثق بهم شخصيًا، وليس بالضرورة على شاغلي المناصب الرسمية.


ووفقًا لدوائر واسعة في واشنطن، فإن الثقة التي يتمتع بها دريسكول داخل البيت الأبيض تفوق تلك التي يحظى بها وزير الدفاع نفسه، خصوصًا في الملفات المتعلقة بالحرب الأوكرانية. فترامب يرى في دريسكول رجلًا قادرًا على التفكير خارج الأطر البيروقراطية التقليدية، وصاحب قدرة على فهم تعقيدات الصراع، وإدارة المفاوضات بعيدًا عن الأضواء.

نفوذ يتجاوز المؤسسة العسكرية

يشرف دريسكول على مؤسسة تعدّ من أكبر أجهزة الدولة الأمريكية، بأكثر من مليون عسكري في الخدمة والاحتياط، إضافة إلى ربع مليون موظف مدني، لكن حجم المؤسسة ليس وحده ما يميّز دوره، بل تمكنه من التعامل معها بمرونة نادرة، فقد جاء إلى منصبه بخليط من الخبرات: خلفية عسكرية ميدانية اكتسبها في العراق، وتعليم قانوني رفيع من جامعة ييل، وتجربة استثمارية في واحد من أكبر الصناديق المالية. 


هذا التنوع ساعده على فهم منطق القوة، وآلية صناعة القرار، وكيفية إدارة الموارد البشرية والمالية للمؤسسة العسكرية، كما أن علاقته القديمة بنائب الرئيس جي دي فانس شكّلت عامل دعم إضافيًا. هذه الصلة، التي تعود إلى أيام دراستهما المشتركة في ييل، جعلت دريسكول ضمن شبكة نفوذ متشابكة داخل الإدارة الحالية، رغم أن مراقبين يصرّون على أن صعوده لم يكن مجرد صدفة علاقات، بل نتاج أداء مباشر وشخصية صلبة وقدرة على التكيف مع الملفات المعقدة.

رؤية متقدمة لعقيدة القتال


استطاع دريسكول جذب اهتمام ترامب قبل انضمامه للإدارة، عندما قدم سلسلة تحليلات استراتيجية حول مستقبل الحروب، فقد تحدث مبكرًا عن ضرورة الاستثمار المكثف في الطائرات المسيّرة، وتطوير منظومات القيادة والسيطرة بما يتناسب مع الدروس المستقاة من الحرب الأوكرانية، وبفضل هذه الرؤية، نجح في إقناع القيادات العسكرية بضرورة تحديث العقيدة القتالية، وتمكين الجيش من أدوات تكنولوجية أكثر سرعة وفاعلية.


وصفه أحد النواب الديمقراطيين بأنه "رجل جاد، منظم، ويملك تصورًا واضحًا للعالم"، وهو تقييم نادر لرجل يحتل موقعًا مهمًا في إدارة جمهورية يُعرف عنها خصومتها مع الديمقراطيين في الكونغرس.

العمليات الدبلوماسية السرية


تتجه الأنظار اليوم إلى اجتماعات أبوظبي، حيث يقود دريسكول مفاوضات مع وفد روسي رفيع المستوى. وتشير تسريبات من واشنطن وموسكو إلى أنه يدير هذه اللقاءات دون إشراف مباشر من هياكل الخارجية الأمريكية، في خطوة تعكس منحى جديدًا في طريقة إدارة ترامب للسياسة الخارجية.


وتكشف المصادر أن دريسكول يعمل على تعديل الخطة الأمريكية تدريجيًا، مستفيدًا من تفاعل موسكو وبحثها عن مخرج سياسي يضمن مكاسبها الميدانية. وفي الوقت نفسه، يسعى إلى صياغة مقاربة يمكن للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبولها دون أن تبدو تنازلًا كاملًا، وهو تحدٍ بالغ الصعوبة في ظل الانقسام الداخلي الأوكراني ورفض بعض القوى المشاركة في عملية صُممت خارج كييف.