مبادرة عون تضع حزب الله أمام معادلة جديدة وتعيد تعريف قواعد إدارة الجنوب

مبادرة عون تضع حزب الله أمام معادلة جديدة وتعيد تعريف قواعد إدارة الجنوب

مبادرة عون تضع حزب الله أمام معادلة جديدة وتعيد تعريف قواعد إدارة الجنوب
جوزيف عون

على وقع تعقيدات المشهد الإقليمي وتبدّل أولويات العواصم الكبرى، وجد لبنان نفسه أمام ضرورة إعادة رسم خطته تجاه حدوده الجنوبية، بما يخفّف من الهشاشة الأمنية ويعيد للدولة جزءًا من حضورها المفقود، في هذه اللحظة المفصلية، أطلق الرئيس اللبناني جوزيف عون مبادرة وُصفت بأنها الأكثر تماسكًا منذ سنوات، محاولة لبلورة مقاربة وطنية واضحة في ملف طالما حكمته الحسابات الميدانية لا رؤية الدولة، المبادرة، التي جاءت في الذكرى الـ82 للاستقلال، لا تكتفي بتقديم موقف سياسي، بل تضع خمسة بنود تشكّل مسارًا تنفيذيًا قابلاً للنقاش والتطوير، وتكتسب هذه الخطوة أهميتها من أنها تأتي في فترة تتراجع فيها المقاربات التصادمية في المنطقة، بينما يرتفع منسوب القلق من عودة التوتر على الحدود.

 وبينما يبدو المشهد الداخلي مشحونًا بالانقسامات، تحاول الدولة عبر هذا الطرح استعادة زمام المبادرة، ورسم إطار يمكن أن يشكّل قاعدة لتفاهمات جديدة مع الأمم المتحدة والجهات الدولية والإقليمية، بما يضمن استقرارًا يحتاجه لبنان للخروج من أزماته المتراكمة.

مبادرة تحمل ملامح تحول سياسي

جاءت مبادرة الرئيس جوزيف عون نتيجة نقاشات داخل مؤسسات الدولة اللبنانية خلال الأسابيع الماضية، في محاولة لصياغة رؤية موحدة لما بعد عام من وقف إطلاق النار على الحدود الجنوبية. 

مصادر سياسية مطلعة قالت: إن المقاربة الجديدة تشكّل أول إطار كامل تقدمه بيروت منذ وقت طويل، يجمع بين الهدف السياسي والخطوات التنفيذية والآليات الدولية المقترحة، إضافة إلى جدول زمني يمكن التفاوض عليه.

وتعكس البنود الخمسة رغبة الدولة في الانتقال من موقع مراقبة التطورات إلى موقع طرفٍ يمتلك تصورًا واضحًا، من استعداد الجيش لتسلّم النقاط الحدودية، إلى إنشاء آلية رقابية دولية، وصولاً إلى مسار دعم سياسي واقتصادي يعيد إعمار المناطق المنكوبة ويمنح السكان شعورًا بالأمان، وهو عنصر كان غائبًا في معظم المقاربات السابقة.

وتقول المصادر لـ"العرب مباشر": إن المبادرة ليست نتيجة ضغط خارجي، بل محاولة لاقتناص لحظة سياسية نادرة، إذ ترى بيروت أن الاهتمام الدولي بالمواجهات المسلحة تراجع لصالح البحث عن ترتيبات أكثر استقرارًا، ومن هنا كان لزامًا على الدولة أن تطرح رؤيتها قبل أن تُفرض عليها تصوّرات أخرى.

رؤية أمريكية.. ترحيب حذر وفرصة للتجربة

في واشنطن، تبدو المبادرة موضع متابعة دقيقة، فالمعلومات الدبلوماسية تشير إلى أن الإدارة الأمريكية تنظر إليها كـ"فرصة قابلة للاختبار"، وليست التزامًا نهائيًا، لكنها في الوقت نفسه تسجّل أن لبنان للمرة الأولى يقدم تصورًا يربط بين الأمن وإعادة الإعمار ودور الجيش والضمانات الدولية ضمن إطار واحد، وهو ما تراه واشنطن تطورًا نوعيًا مقارنة بمبادرات سابقة.

ويظهر الجانب الأمريكي اهتمامًا خاصًا ببندين أساسيين وفقًا لمصدر مطلع تحدث لـ"العرب مباشر"، الأول هو استعداد الجيش اللبناني لتسلّم النقاط الحدودية المحتلة أو الحساسة، والثاني هو وضوح الآلية الرقابية الدولية التي ستتابع تطبيق المبادرة.

وأضاف -من منظور أمريكي-: هذان العنصران يمكن أن يشكلا بداية مسار قد يؤدي إلى استقرار طويل الأمد، إذا توفّر في بيروت قرار سياسي قادر على تحويل المبادرة إلى خطوات عملية، مضيفًا، لا تخفي واشنطن أنها ترى في المبادرة فرصة للحدّ من تأثير النفوذ الإيراني في الجنوب، ولكن دون خلق فراغ أو صدام داخلي، إذ يعتمد نهجها الحالي على إدارة المخاطر لا خوض المواجهات المفتوحة.

بين النفوذ الإقليمي واستعادة الدولة دورها

يرى محللون لبنانيون، أن المبادرة تنطوي على محاولة لإعادة تعريف دور الدولة في الجنوب، المحلل السياسي مصطفى علوش، في حديثه لـ"العرب مباشر"، وصف المبادرة بأنها انتقال من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة عرض الخيارات.

 وبحسب رأيه، فإن القيمة الأكبر للمبادرة تكمن في أنها تعيد طرح الجنوب كجزء من مسار طويل يرتبط بإعادة تنظيم علاقة لبنان مع المجتمع الدولي والدور الأمني للجيش وترتيبات القوى الإقليمية.

ويضيف علوش: أن التحدي الأساسي يكمن في قدرة الدولة على خلق سردية جديدة تحظى بحد أدنى من الإجماع الداخلي، وتضع الأطراف الفاعلة، خصوصًا حزب الله، أمام واقع مختلف: دولة تطرح مسارًا واضحًا وتطلب التفاعل معه، بدلاً من إدارة الأمر الواقع الذي سيطر لسنوات. 

ويعتقد أن المبادرة، مهما بدت نظرية في بدايتها، قادرة على تحريك التوازنات وإعادة إدخال الدولة لاعبًا مؤثرًا في الحسابات الإقليمية.